و (إِنْ) في قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ ...) يرى بعضهم أنها شرطية ، وأن الكلام مسوق على سبيل الفرض والتقدير.
والمعنى : قل ـ أيها الرسول الكريم ـ ردا على هؤلاء الكافرين الذين نسبوا الولد إلى الله ـ تعالى ـ ، قل لهم : إن كان للرحمن ولد ـ على سبيل الفرض والتقدير ـ فأنا أول العابدين لهذا الولد ، ولكن هذا الفرض قد ثبتت استحالته يقينا لا شك معه ، فما أدى إليه ، وما ترتب عليه من نسبتكم الولد إلى الله ـ تعالى ـ محال ـ أيضا ـ وإذا فأنا لا أعبد إلا الله ـ تعالى ـ وحده ، وأنزهه ـ سبحانه ـ عن الولد أو الشريك.
ومن الآيات الكريمة التي نفت عن الله ـ عزوجل ـ الولد قوله ـ تعالى ـ : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ ، وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (١).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً. لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا. تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٢).
ومن المفسرين الذين رجحوا أن تكون (إِنَ) هنا شرطية ، الإمام ابن جرير ، فقد قال بعد أن ذكر بعض الأقوال في ذلك : وأولى الأقوال عندنا بالصواب في ذلك ، قول من قال : معنى (إِنَ) الشرط الذي يقتضى الجزاء. ومعنى الكلام : قل يا محمد لمشركي قومك ، الزاعمين أن الملائكة بنات الله ، إن كان للرحمن ولد ـ على سبيل الفرض ـ فأنا أول العابدين. ولكنه لا ولد له فأنا أعبده لأنه لا ينبغي أن يكون له ولد.
وإذا وجه الكلام إلى ما قلنا من هذا الوجه ، لم يكن على وجه الشك ، ولكن على الإلطاف في الكلام ، وحسن الخطاب ، كما قال ـ جل ثناؤه ـ (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣).
وقال الإمام ابن كثير : يقول ـ تعالى ـ : (قُلْ) يا محمد (إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ).
أى : لو فرض هذا لعبدته على ذلك ، لأنى عبد من عبيده ، مطيع لجميع ما أمرنى به ، ليس عندي استكبار ولا إباء عن عبادته ، فلو فرض هذا كان هذا ، ولكن هذا ممتنع في حقه
__________________
(١) سورة الأنعام الآية ١٠١.
(٢) سورة مريم الآيات ٨٨ ـ ٩٢.
(٣) راجع تفسير ابن جرير ج ٢٥ ص ٦١.