وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧))
قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) : افهم أن في هذه الآية للعارفين موضع الاتّحاد ، ولهم في الاتحاد مقامات اتّحاد بالأفعال ، واتحاد بالصفات ، واتحاد بالذات ، وهاهنا إشارة اتحاد الأفعال ، واتحاد الصفات ، فإضافة فعل القوم إلى نفسه بالقتل اتحاد الفعل.
وذلك مقام جمع وتفرقة ، ولهم تفرقة في الجمع ، إذ ذكر (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ) ، نفي فعلا بعد إثباته لهم ، فإذا باشروا القتل كانوا في محلّ تفرقة ، وإذا أضاف القتل إلى نفسه كانوا في محل جمع ، فالتفرقة عالم الصورة ورسم الخليقة ، إذ كانوا في الخليقة معارفين من مصدر خاصية فعله تعالى ، ومن حيث إنهم قائمون في جميع الذرّات بفعله الخاص المتعلّق بالقدرة ، كانت عينهم عين الفعل ، خاصة أنه تعالى تجلّى من فعله الخاص لهم بنعت القهر للمقتولين ، فهم مع فعله عين أخذ ، فإذا كان كذلك ، والإضافة إلى نفسه إضافة حقيقة ، إذ لا يبقى في البين غير فعله من جميع الوجوه ، وهكذا أحكام الخلق من العرش إلى الثرى في جميع الأوقات من جهة الفعلية والخلقية.
لكن إذا لم يكن وقت المباشرة تجلّى الفعل إلى الفعل ، لم يكن هناك خاصية اتّحاد الأفعال ، كانوا كسيف على يد ضارب ، بل السيف واليد واحد بالمراتب والترقّي ، وإذا كان المصدر مصدرا واحدا ، لم يكن في البين من العرش إلى الثرى غير الله.
وللنبي صلىاللهعليهوسلم ههنا خاصيّة اتّحاد الصفة ، حيث اتّصف بصفته حين عاينه بنعت كشف تجلّي صفته تعالى في قلبه وروحه وعقله ، وسرّه وظاهره وباطنه وصورته ، فيصير جميع وجوده مستغرقا في نور الصفة ، فعله أضاف إلى صفته لا إلى فعله ؛ لأن القوم كانوا في رؤية أنوار آياته ، وكان عليهالسلام في رؤية أنوار صفاته ، وخاصية اتّحاد الذات بعد مروره بالآيات ، وسباحته في بحر الصفات ، وقع بعد مباشرة المقامين ، واتّصافه بالصفتين صفة الفعل ، وصفة الخاص إدراكه جلال الذات ، وفناؤه فيه ، وبقاؤه به معه ، واستغراقه في آزاله وآباده ، وخروجه من بحر الأوّلية والآخرية بنعت الصفة ، وسنا الذات ، حتى صار مرآة للذات والصفات والفعل ، فأبرزه الله للعالمين ؛ لتعريف نفسه به إيّاهم ، كإخراجه خليفته آدم عليهالسلام بعرفان الملائكة ، وكان متّصفا بالصفة ، متّحدا بها ، والنبي عليهالسلام كان متّحدا بنور الذات بعد اتحاده بنور الذات والصفات ، بعد اتحاده بنور الصفات ، وكان فوق آدم باتحاد أنوار الذات ، فلمّا كمل في اتّحاده عرف الله مكانه في تمام الخلق ، بقوله : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) [النساء : ٨٠] لم