الماء باللبن) فالمصرح به في هذا الكلام أن الماء مخلوط ، واللبن مخلوط به ، والمدول عليه لزوما ، لا تصريحا ، كون الماء مخلوطا به ، واللبن مخلوطا. وإذا قلت : خلطت الماء واللبن ، فالمصرح به جعل كل واحد منهما مخلوطا. وأما ما خلط به كل واحد منهما ، فغير مصرح به ، بل من اللازم أن كل واحد منهما له مخلوط به ، يحتمل أن يكون قرينه أو غيره. فقول الزمخشري : إن قولك (خلطت الماء واللبن) يفيد ما يفيد مع الباء ، وزيادة ـ ليس كذلك. فالظاهر في الآية ـ والله أعلم ـ أن العدول عن الباء إنما كان لتضمين الخلط معنى العمل ، كأنه قيل عملوا صالحا وآخر سيئا ، ثم انضاف إلى العمل معنى الخلط ، فعبر عنهما معا به ـ انتهى ـ.
قال النحرير : يريد الزمخشري أن (الواو) كالصريح في خلط كلّ بالآخر ، بمنزلة ما إذا قلت : (خلطت الماء باللبن) ، و (خلطت اللبن بالماء) ، بخلاف الباء ، فإن مدلولها لفظا إلا خلط الماء مثلا باللبن. وأما خلط اللبن بالماء ، فلو ثبت لم يثبت إلا بطريق الالتزام ودلالة العقل ـ انتهى ـ.
وهو متجه ولا حاجة للتضمين المذكور.
ثم قال الزمخشري : ويجوز أن يكون من قولهم (بعت الشاء شاة ودرهما) بمعنى شاة بدرهم ، أي ف (الواو) بمعنى الباء ، ونقل ذلك عن سيبويه ، وقالوا : إنه استعارة ، لأن (الباء) للإلصاق ، و (الواو) للجمع ، وهما من واد واحد. وقال ابن الحاجب في قولهم المذكور : أصله شاة بدرهم أي كل شاة بدرهم ، وهو بدل من الشاء ، أي مع درهم ، ثم كثر ، فأبدلوا من (باء المصاحبة) (واوا) ، فوجب نصبه وإعرابه بإعراب ما قبله ، كقولهم : كل رجل وضيعته.
قال الشهاب : وهو تكلف ، ولذا قالوا : إنه تفسير معنى ، لا إعراب ـ انتهى ـ.
قال الواحدي : العرب تقول : خلطت الماء باللبن ، وخلطت الماء واللبن ، كما تقول : جمعت زيدا وعمرا. و (الواو) في الآية أحسن من (الباء) ، لأنه أريد معنى الجمع ، لا حقيقية الخلط. ألا ترى أن العمل الصالح لا يختلط بالسّيء ، كما يختلط الماء باللبن ، لكن قد يجمع بينهما ـ انتهى ـ.
وفي الآية نوع من البديع يسمى (الاحتباك) ، وهو مشهور ، لأن المعنى : خلطوا عملا صالحا بسيئ وآخر سيئا بصالح.
الرابع ـ قال الرازي : هاهنا سؤال ، وهو أن كلمة (عسى) شك ، وهو في حق الله تعالى محال. وجوابه من وجوه :