وروي الإمام أحمد (١) عن جابر قال : لما مات عبد الله بن أبيّ ، أتى ابنه النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إنك إن لم تأته لم نزل نعيّر به ، فأتاه النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فوجده قد أدخل في حفرته فقال : أفلا قبل أن تدخلوه؟ فأخرج من حفرته ، وتفل عليه من ريقه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه (٢). ورواه النسائي. وروى (٣) نحوه البخاري والبزار في مسنده ، وزاد : فأنزل الله الآية. زاد ابن إسحاق في المغازي بسنده قال : فما صلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم على منافق بعده حتى قبضه الله ، ولا قام على قبره.
وقد روى (٤) الإمام أحمد عن أبي قتادة قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا دعي إلى جنازة سأل عنها ، فإن أثني عليها خير قام فصلى عليها ، وإن كان غير ذلك ، قال لأهلها : شأنكم بها. ولم يصل عليها.
الثاني ـ إنما منع صلىاللهعليهوسلم من الصلاة على أحدهم إذا مات ، لأن صلاة الميت دعاء واستغفار واستشفاع له. والكافر ليس بأهل لذلك.
الثالث ـ قال : السيوطي في (الإكليل) : في قوله تعالى : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ) الآية ـ تحريم الصلاة على الكافر ، والوقوف على قبره ، وأن دفنه جائز : ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه ، ومشروعية الوقوف على قبره ، والدعاء له ، والاستغفار. انتهى.
قال عثمان رضي الله عنه : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه وقال : استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل ـ انفرد بإخراجه أبو داود (٥) ـ.
الرابع ـ قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) : ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين ، لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم : قال الواقدي : أنبأنا معمر عن الزهري قال : قال حذيفة : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إني مسرّ إليك سرا ، فلا تذكره لأحد. إني نهيت أن أصلي على فلان وفلان ، رهط ذوي عدد من المنافقين.
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ص ٣٧١ ج ٣.
(٢) أخرجه النسائي في : الجنائز ، ٩٢ ـ باب إخراج الميت من اللحد بعد أن يوضع فيه.
(٣) أخرجه البخاري في : الجنائز ، ٢٣ ـ باب الكفن في القميص الذي يكفّ ، أو لا يكفّ ، ومن كفّن بغير قميص ، حديث رقم ٦٧٦.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ص ٢٩٩ ج ٥.
(٥) أخرجه أبو داود في : الجنائز ، ٦٩ ـ باب الاستغفار عند القبر للميت ، حديث رقم ٣٢٢١.