وقوله تعالى : (وَكَرِهُوا) إلخ أي لما في قلوبهم من مرض النفاق.
قال أبو السعود : وإنما أوثر ما عليه النظم الكريم على أن يقال : (وكرهوا أن يخرجوا إلى الغزو) إيذانا بأن الجهاد في سبيل الله ، مع كونه من أجلّ الرغائب ، وأشرف المطالب ، التي يجب أن يتنافس بها المتنافسون ، قد كرهوه ، كما فرحوا بأقبح القبائح الذي هو القعود خلاف رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قال الزمخشري : في قوله تعالى : (وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ) تعريض بالمؤمنين ، وبتحملهم المشاق العظام لوجه الله تعالى ، وبما فعلوا من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى ، وإيثارهم ذلك على الدعة والخفض (أي الراحة والتنعم بالمآكل والمشارب) وكره ذلك المنافقون. وكيف لا يكرهونه؟ وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان ، وداعي الإيقان.
قال الشهاب : ووجه التعريض ظاهر ، لأن المراد كرهوه ، لا كالمؤمنين الذين أحبوه.
وقوله تعالى : (وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) أي قالوا لإخوانهم لا تنفروا إلى الجهاد في الحر ، فإنه لا يستطاع شدته. وذلك أن الخروج في غزوة تبوك كان في شدة الحر ، عند طيب الظلال والثمار ، وذلك تثبيتا لهم على التخلف ، وتواصيا فيما بينهم بالشر والفساد. أو قالوا للمؤمنين تثبيطا لهم عن الجهاد ، ونهيا عن المعروف ، وإظهارا لبعض العلل الداعية لهم إلى ما فرحوا به من القعود. فقد جمعوا ثلاث خلال من خصال الكفر والضلال : الفرح بالقعود ، وكراهية الجهاد ، ونهى الغير عن ذلك ـ أفاده أبو السعود ـ.
وقوله تعالى : (قُلْ) أي ردّا عليهم وتجهيلا لهم (نارُ جَهَنَّمَ) أي التي ستدخلونها بما فعلتم (أَشَدُّ حَرًّا) أي مما تحذرون من الحرّ المعهود ، وتحذّرون الناس منه ، فما لكم لا تحذرونها ، وتعرضون أنفسكم لها ، بإيثار القعود على النفير.
وقوله تعالى : (لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) اعتراض تذييلي من جهته تعالى ، غير داخل تحت القول المأمور به ، مؤكد لمضمونه. وجواب (لو) إما مقدر ، أي لو كانوا يفقهون أنها كذلك ، أو كيف هي ؛ أو أن مآلهم إليها ـ لما فعلوا ما فعلوا ، أو لتأثروا بهذا الإلزام. وإما غير منويّ ، على أن (لو) لمجرد التمني المنبئ عن امتناع تحقق مدخولها. أي لو كانوا من أهل الفطانة والفقه ، كما في قوله تعالى (قُلِ انْظُرُوا ما ذا