الأمر ، للمبالغة في بيان استوائهما. كأنه عليه الصلاة والسلام أمر بامتحان الحال ، بأن يستغفر تارة ، ويترك أخرى ، ليظهر له جلية الأمر ، كما مر في قوله تعالى : (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [التوبة : ٥٣] ، وقد وردت بصيغة الخبر في سورة «المنافقون» في قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [المنافقون : ٥ ـ ٦].
الثاني ـ قال الزمخشري : (السبعون) جار مجرى المثل في كلامهم للتكثير. قال عليّ بن أبي طالب عليهالسلام :
لأصبحنّ العاص وابن العاصي |
|
سبعين ألفا عاقدي النّواصي |
أي فذكرها للمبالغة في حسم مادة الاستغفار لهم ، جريا على أساليب العرب في ذكرها للمبالغة لا للتحديد ، بأن يكون ما زاد عليها بخلافها.
وقال أبو السعود : شاع استعمال السبعة والسبعين والسبعمائة في مطلق التكثير ، لاشتمال السبعة على جملة أقسام العدد ، فكأنها العدد بأسره. وقيل : هي أكمل الأعداد ، لجمعها معانيها ، ولأن الستة أول عدد تامّ ، لتعادل أجزائها الصحيحة ، إذ نصفها ثلاثة ، وثلثها اثنان ، وسدسها واحد ، وجملتها ستة ، وهي مع الواحد سبعة ، فكانت كاملة ؛ إذ لا مرتبة بعد التمام إلا الكمال. ثم السبعون غاية الكمال ، إذ الآحاد غايتها العشرات. والسبعمائة غاية الغايات ـ انتهى ـ.
الثالث ـ روى البخاري (١) وغيره أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ، لما أراد أن يصدّه عن الصلاة على عبد الله بن أبيّ : إنما خيّرني الله فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ) الآية وسأزيده على السبعين. فظاهر هذا أن (أو) للتخيير ، وأن السبعين له حدّ يخالفه حكم ما وراءه ، وهو من الإشكال بمكان. ولذا قال الزمخشري : فإن قلت : كيف خفي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو أفصح العرب وأخبرهم بأساليب الكلام وتمثيلاته؟ والذي يفهم من هذا العدد كثرة الاستغفار ، كيف وقد تلاه بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا ...) الآية فبين الصارف عن المغفرة لهم ، حتى قال : قد رخص لي ربي فسأزيد على السبعين. ثم أجاب الزمخشري بقوله : قلت لم يخف
__________________
(١) أخرجه البخاري في : التفسير ، ٩ ـ سورة التوبة ، ٨ ـ باب قوله تعالى : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) ، حديث ٧٢٢.