مسعود رضي الله عنه قال : لما نزلت آية الصدقة ، كنا نحامل فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ، فقالوا : مرائي. وجاء رجل فتصدق بصاع ، فقالوا : إن الله لغنيّ عن صدقة هذا ، فنزلت : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ ...) الآية ـ ورواه مسلم (١) أيضا.
وروى الإمام أحمد (٢) عن أبي السليل عن رجل حدثه عن أبيه أو عمه أنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : من يتصدق بصدقة أشهد له بها يوم القيامة؟ فجاء رجل لم أرى رجلا أشدّ منه سوادا ، ولا أصغر منه ولا أدمّ ، بناقة لم أر أحسن منها ، فقال : يا رسول الله ، دونك هذه الناقة. قال : فلمزه رجل فقال : هذا يتصدق بهذه ، فو الله لهي خير منه! فسمعها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : كذبت! بل هو خير منك ومنها (ثلاث مرات). ثم قال : ويل لأصحابك إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وجمع بين كفيه عن يمينه وعن شماله.
قال ابن إسحاق : كان المطّوّعون من المؤمنين في الصدقات عبد الرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي أخا بني عجلان. وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم رغّب في الصدقة ، وحضّ عليها ، فقام عبد الرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف ، وقام عاصم بن عديّ وتصدق بمائة وسق من تمر ، فلمزوهما وقالوا. ما هذا إلا رياء. وكان الذي تصدق بجهده أبا عقيل ، أخا بني أنيف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغها في الصدقة فتضاحكوا به ، وقالوا : إن الله لغنيّ عن صاع أبي عقيل.
وروى الحافظ البزار في مسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : تصدقوا فإني أريد أن أبعث بعثا. فجاء عبد الرحمن بن عوف فقال : يا رسول الله! عندي أربعة آلاف ، ألفين أقرضهما لربي ، وألفين لعيالي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : بارك الله لك فيما أعطيت ، وبارك لك فيما أمسكت. وبات رجل من الأنصار فأصاب صاعين من تمر ، فقال : يا رسول الله! أصبت صاعين من تمر ، صاع أقرضه لربي ، وصاع لعيالي. قال ، فلمزه المنافقون وقالوا : ما أعطى الذي أعطى ابن عوف إلا رياء ، وقالوا ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ فأنزل الله الآية. وقوله صلىاللهعليهوسلم (أريد أن أبعث بعثا) أي لغزو الروم ، وذلك في غزوة تبوك.
تنبيهات :
الأول ـ قال السيوطي في (الإكليل) : في هذه الآية تحريم اللمز والسخرية بالمؤمنين. انتهى.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الزكاة ، حديث ٧٢.
(٢) أخرجه في المسند ٥ / ٣٤.