قال الجلاس ، فلما بلغ ذلك الجلاس ، أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فحلف بالله ما قالها ، فأنزل الله عزوجل فيه (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ...) الآية ـ فوقفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليها ، فزعموا أن الجلاس تاب فحسنت توبته ، ونزع فأحسن النزوع.
وهاتان الروايتان وغيرهما مما روي هنا ، كله مما يفيد تنوع مقالات وكلمات مكفرة لهم مما هو من هذا القبيل ، وإن لم يمكنا تعيين شيء منها في هذه الآية.
وقوله تعالى : (وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا) قال ابن كثير : قيل أنزلت في الجلاس بن سويد ، وذلك أنه هم بقتل عمير ابن امرأته ، لما رفع كلمته المتقدمة إلى النبيّ صلوات الله عليه. وقد ورد أن نفرا من المنافقين هموا بالفتك بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، وهو في غزوة تبوك ، في بعض تلك الليالي ، في حال السير ، وكانوا بضعة عشر رجلا. قال الضحاك : ففيهم نزلت هذه الآية. قال الإمام أحمد في مسنده (١) : حدثنا يزيد أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم من غزوة تبوك ، أمر مناديا فنادى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ العقبة ، فلا يأخذها أحد. فبينما رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقوده حذيفة ، ويسوق به عمّار ، إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل ، غشوا عمارا ، وهو يسوق برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأقبل عمار رضي الله عنه يضرب وجوه الرواحل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحذيفة : قد قد. حتى هبط رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فلما هبط رسول الله صلىاللهعليهوسلم نزل ، ورجع عمار! فقال : يا عمار! هل عرفت القوم؟ فقال : قد عرفت عامة الرواحل ، والقوم متلثمون. قال : هل تدري ما أرادوا؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله صلىاللهعليهوسلم فيطرحوه. قال : فسابّ عمار رجلا من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : نشدتك بالله ، كم تعلم كان أصحاب العقبة؟ قال : أربعة عشر رجلا. فقل : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر. قال فعدّد رسول الله صلىاللهعليهوسلم منهم ثلاثة ، قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وما علمنا ما أراد القوم. فقال عمار : أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. (وَما نَقَمُوا) أي ما أنكروا وما عابوا (إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) فإنهم كانوا قبل مقدمه صلىاللهعليهوسلم المدينة في ظنك من العيش ، فأثروا بالغنائم ، وقتل للجلاس مولى ، فأمر له النبيّ صلىاللهعليهوسلم بديته فاستغنى. والمعنى أن المنافقين عملوا بضد الواجب ، فجعلوا موضع شكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم ما همّوا به ، ولا ذنب إلا تفضله عليهم ، فهو على حد قولهم : ما لي عندك ذنب إلا أني أحسنت إليك ، وقول ابن قيس الرقيّات :
__________________
(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٥ / ٤٥٣.