وقد روى الإمام مالك والشيخان (١) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله عزوجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة! فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك ، فيقول : هل رضيتم؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا رب ؛ وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون : يا رب ، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول : أحل عليكم رضواني ، فلا أسخط عليكم بعده أبدا.
وروى المحاملي والبزار عن جابر ، رفعه : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، قال الله عزوجل : هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ قالوا : يا ربنا! ما هو خير مما أعطيتنا؟ قال : رضواني أكبر.
(ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي لا ما يعدّه الناس فوزا من حظوظ الدنيا.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧٣)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ) قيل : مجاهدة المنافقين بالحجة لا بالسيف. قال في (العناية) ظاهر الآية يقتضي مقاتلة المنافقين ، وهم غير مظهرين للكفر ، ونحن مأمورون بالظاهر ، فلذا فسر الآية السلف بما يدفع ذلك ، بناء على أن الجهاد بذل الجهد في دفع ما لا يرضى ، سواء كان بالقتال أو بغيره ، وهو إن كان حقيقة فظاهر ، وإلا حمل على عموم المجاز ، فجهاز الكفار بالسيف ، وجهاد المنافقين بإلزامهم الحجج ، وإزالة الشبه ونحوه. أو بإقامة الحدود عليهم ، إذا صدر منهم موجبها ، كما روي عن الحسن في الآية. وقيل عليه بأن إقامتها واجبة على غيرهم أيضا ، وأجيب بأنها في زمنه صلىاللهعليهوسلم أكثر ما صدرت عنهم. انتهى.
قال ابن العربي : هذه دعوى لا برهان عليها ، وليس العاصي بمنافق ، إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا ، وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الرقاق ، ٥١ ـ باب صفة الجنة والنار : حديث رقم ٢٤٥٨.
وأخرجه مسلم في : الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، حديث رقم ٩.