وإدامته إذ أصله وقع (قَدْ كَفَرْتُمْ) أي أظهرتم الكفر بإيذاء الرسول صلىاللهعليهوسلم والطعن فيه وباستهزائكم بمقالكم (بَعْدَ إِيمانِكُمْ) أي بعد إظهاركم الإيمان.
تنبيه :
قال في (الإكليل) : قال الكيا : فيه دلالة على أن اللاعب والجادّ في إظهار كلمة الكفر سواء ، وأن الاستهزاء بآيات الله كفر ـ انتهى ـ.
قال الرازي : لأن الاستهزاء يدل على الاستخفاف. والعمدة الكبرى في الإيمان تعظيم الله تعالى بأقصى الإمكان ، والجمع بينهما محال.
وقال الإمام ابن حزم في (الملل) : كل ما فيه كفر بالبارئ تعالى ، واستخفاف به ، أو بنبيّ من أنبيائه ، أو بملك من ملائكته ، أو بآية من آياته عزوجل ، فلا يحلّ سماعه ، ولا النطق به ، ولا يحلّ الجلوس حيث يلفظ به. ثم ساق الآية.
وقوله تعالى : (إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ) أي لتوبتهم وإخلاصهم. أو تجنبهم عن الإيذاء والاستهزاء (نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) أي مصرّين على النفاق ، أو مقدمين على الإيذاء والاستهزاء.
تنبيه :
روي في صفة استهزاء المنافقين روايات عدة :
قال ابن إسحاق : كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو ابن عوف ، ومنهم رجل من أشجع حليف لبني سلمة يقال له مخشّن بن حميّر ، (ويقال مخشيّ) يشيرون إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض : أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا. والله! لكأنا بكم غدا مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مخشن بن حمير. والله! لوددت أن أقاضى على أن يضرب كل منا مائة جلدة ، وأنا ننقلب أن ينزل فينا قرآن ، لمقالتكم هذه. وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما بلغني ـ لعمار بن ياسر : أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل : بلى! قلتم : كذا وكذا. فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ـ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم واقف على ناقته ـ : يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونلعب ، فأنزل الله عزوجل فيهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) وقال مخشن بن حمير : يا رسول الله! قعد بي اسمي واسم أبي. وكان الذي عفي عنه في هذه الآية