وهو يقسم فيئا ، أتاه ذو الخويصرة ـ رجل من بني تميم ـ فقال : يا رسول الله! اعدل. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ويلك. من يعدل إذا لم أعدل؟ فقال عمر بن الخطاب : ائذن لي فيه فأضرب عنقه! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يقرءون القرآن ، لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدّين كما يمرق السهم من الرميّة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٦٠)
(إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ، فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) لما ذكر تعالى لمزهم في الصدقات تأثره ببيان حقّيّة ما فعله رسول الله صلىاللهعليهوسلم من القسمة ، إذ لم يتجاوز فيها مصارفها المشروعة له ، وهو عين العدل ، وذلك أنه تعالى شرع قسمها لهؤلاء ، ولم يكله إلى أحد غيره ، ولم يأخذ صلىاللهعليهوسلم منها لنفسه شيئا ، ففيم اللمز لقاسمها ، صلوات الله عليه؟
روى البخاري (١) عن معاوية قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، وإنما أنا قاسم ، والله يعطي.
وروى أبو داود (٢) عن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال : أتيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم فبايعته ، فأتى رجل فقال : أعطني من الصدقة. فقال له : إن الله تعالى لم يرض بحكم نبيّ ولا غيره في الصدقات ، حتى حكم فيها هو ، فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك.
فالآية ردّ لمقالة أولئك اللمزة ، وحسم لأطماعهم ، ببيان أنهم بمعزل من الاستحقاق. وإعلام بمن إعطاؤهم عدل ، ومنعهم ظلم.
__________________
(١) أخرجه البخاري في : العلم ، ١٣ ـ باب من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ، حديث ٦٢.
(٢) أخرجه أبو داود في : الزكاة ، ٢٤ ـ باب من يعطى من الصدقة ، وحدّ الغنى. الحديث رقم ١٦٣٠.