لذات البيّن بالنميمة. بسرعة سير الركائب ، ثم استعير لها الإيضاع ، وهو للإبل. و (خلال) جمع خلل ، وهو الفرجة ، استعمل ظرفا بمعنى (بين).
واعلم أن قوله (وَلَأَوْضَعُوا) مرسوم في الإمام بألفين ، لأن الفتحة كانت تكتب ألفا قبل الخط العربي. والخط العربي اخترع قريبا من نزول القرآن ، وقد بقي من تلك الألف أثر في الطباع ، فكتبوا صورة الهمزة ألفا وفتحها ألفا أخرى ونحوه (أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ) [النمل : ٢١].
(يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) أي يطلبون لكم ما تفتنون ، بإيقاع الخلاف فيما بينكم ، وإلقاء الرعب في قلوبكم ، وإفساد نيّاتكم (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي منقادون لقولهم مستحسنون لحديثهم ، وإن كانوا لا يعلمون حالهم ، لضعف عقولهم ، فيتوهمون منهم النصح والإعانة ، وهم يريدون التخذيل والفتنة ، فيؤدي إلى وقوع شرّ بين المؤمنين ، وفساد كبير.
وقال مجاهد وزيد بن أسلم وابن جرير. أي فيكم عيون يسمعون لهم الأخبار وينقلونها إليهم.
قال ابن كثير : وهذا لا يبقى له اختصاص بخروجهم معهم ، بل هذا عامّ في جميع الأحوال. والمعنى الأول أظهر في المناسبة بالسياق ، وإليه ذهب قتادة وغيره من المفسرين.
قال محمد بن إسحاق : كان استأذن ، فيما بلغني ، من ذوي الشرف منهم ، عبد الله بن أبيّ ابن سلول والجدّ بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله ، لعلمه بهم أن يخرجوا فيفسدوا عليه جنده. وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيها يدعونهم إليه. لشرفهم فيهم ، فقال : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) انتهى. (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. وفيه شمول للفريقين : القاعدين والسماعين.
ثم برهن تعالى على ابتغائهم الفتنة في كل مرة بقوله :
القول في تأويل قوله تعالى :
(لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كارِهُونَ) (٤٨)