ومن فسد من عبادنا كان فيه شبه من النصارى وفي الحديث الصحيح (١)(لتركبن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة) قالوا : اليهود والنصارى؟ قال : فمن؟ وفي رواية : فارس والروم؟ قال : ومن الناس إلا هؤلاء؟ ثم أنشد لابن المبارك :
وهل أفسد الدين إلا الملو |
|
ك ، وأحبار سوء ورهبانها |
الثالثة ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ) مبتدأ ، والخبر (يَكْنِزُونَ) أو منصوب تقديره : بشر الذين يكنزون. والتعريف في الموصول للعهد والمعهود ، إما الأحبار والرهبان ، وإما المسلمون الكانزون ، لجري ذكر الفريقين ، وإما ما هو أعم. والأول روي عن معاوية ، والثاني عن السدّيّ ، والثالث عن ابن عباس وأبي ذرّ.
قال الزمخشري : يجوز أن يكون الموصول إشارة إلى الكثير من الأحبار والرهبان ، للدلالة على اجتماع خصلتين مذمومتين فيهم : أخذ البراطيل ، وكنز الأموال والضن بها عن الإنفاق في سبيل الله. ويجوز أن يراد المسلمون الكانزون غير المنفقين ويقرن بينهم وبين المرتشين من اليهود والنصارى تغليظا ، ودلالة على أن من يأخذ منهم السحت ، ومن لا يعطي منكم طيب ماله ، سواء في استحقاق البشارة بالعذاب الأليم. انتهى.
قال في (الأنوار) : ويؤيد الثاني أنه لما نزل كبر على المسلمين ، فذكر عمر رضي الله عنه لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم ـ رواه (٢) أبو داود والحاكم وصححه ـ وقوله صلىاللهعليهوسلم ما أدي زكاته فليس بكنز ـ أخرجه الطبراني والبيهقي ـ أي ليس بالكنز المتوعّد عليه في الآية ، فإن الوعيد على الكنز مع عدم الإنفاق فيما أمر الله أن ينفق فيه. وأما قوله صلىاللهعليهوسلم : من ترك صفراء أو بيضاء كوي بها ونحوه ، فالمراد منها : ما لم يؤد حقها ، لقوله صلىاللهعليهوسلم ، فيما أورده
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الأنبياء ، ٥٠ ـ باب ما ذكر عن بني إسرائيل ، حديث ١٦٢٢.
وفي مسلم في : العلم ، حديث رقم ٦ نصه هكذا :
عن أبي سعيد الخدري : أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال «لتتبعنّ سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع. حتى لو سلكوا حجر ضب لسلكتموه» ، قلنا : يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال : «فمن»؟ أما الحديث الذي جاء فيه حذو القذة بالقذة فقد أخرجه الإمام أحمد في المسند ص ١٢٥ ج ٤ ونصه : عن شداد بن أوس : «ليحملنّ شرار هذه الأمة على سنن الذي خلوا من قبلهم ، أهل الكتاب ، حذو القذة بالقذة».
(٢) أخرجه أبو داود في : الزكاة ، ٣٢ ـ باب في حقوق المال ، حديث ١٦٦٤.