آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] ، والقائلون : (وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها). والمقلد ، لو لا اغتراره بكونه وجد آباءه على ذلك المذهب ، مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به ، وأنه الحق ـ لم يبق عليه. وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهوديّ على يهوديته ، والنصراني على نصرانيته ، والمبتدع على بدعته. فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية والنصرانية والبدعة ، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ، ولم ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب ، ولا بحثوا عن الله كما ينبغي. وهذا هو التقليد البحت ، والقصور الخالص. ثم قال : وإن من أعجب الغفلة وأعظم الذهول عن الحق ، اختيار المقلدة لآراء الرجال ، مع وجود كتاب الله ووجود سنة رسوله بين ظهرانيهم ، ووجود من يأخذونهما عنه بين أيديهم ، ووجود آلة الفهم لديهم ، وملكة العقل عندهم ـ انتهى ـ.
ولما نفى ما تقوّلوه عليه ، وأخبر أنه لا يأمر بالفحشاء ، بيّن ما أمر به بقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) (٢٩)
(قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) أي : بالعدل. وللسلف فيه هنا وجوه : ما ظهر في العقول كونه حسنا ، أو التوحيد ، أو كلمة الإخلاص. وعن أبي مسلم : جميع الطاعات. قال الحاكم : وهو الوجه : ولا يخفى أن الجميع مما يشمله (القسط) فلا منافاة. (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) معطوف على الأمر الذي ينحلّ إليه المصدر مع (أن). أي : بأن أقسطوا وأقيموا ، والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر ، كما نقله المعرب. أو معطوف على (أَمَرَ رَبِّي) أي : قل أقيموا. قال الجرجانيّ : الأمر معطوف على الخبر ، لأن المقصود لفظه ، أو لأنه إنشاء معنى. انتهى ـ و (الوجوه) مجاز عن الذوات. ومسجد إما مصدر ، والوقت مقدر قبله ، و (عند) بمعنى (في). أي : أقيموا ذواتكم في كل وقت سجود ، وذلك بمنعها عن الالتفات إلى الغير فيه ، وبمراعاة موافقة الأمر مع صدق النية ، أو باستقبال القبلة فيه. وإما اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي ، أي في كل وقت سجود أو مكانه. والسجود على هذه الأوجه مجاز عن الصلاة ، أو المسجد هو المصطلح عليه. والمعنى : في أيّ