أيديكم قابضة عليهم وذلك تخليصا لهم من أسر الضلال بضعف الإيمان (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً) أي قوة إيمان وإخلاصا فيه (يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ) أي من الفداء ، إما أن يخلفكم في الدنيا أضعافه ، أو يثيبكم في الآخرة (وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٧١)
(وَإِنْ يُرِيدُوا) أي الأسرى (خِيانَتَكَ) أي نكث ما بايعوك عليه من الإسلام بالردة ، أو منع ما ضمنوا من الفداء (فَقَدْ خانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ) أي من قبل (بدر) بالكفر به (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) أي فأمكنك منهم ، أي أظفرك بهم قتلا وأسرا ، كما رأيتم يوم بدر ، فسيمكن منهم إن عادوا إلى الخيانة (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) أي عليم بما في بواطنهم من إيمان وتصديق ، أو خيانة ونقض عهد. حكيم يجازي كلا بعمله ، الخير بالثواب ، والشر بالعقاب.
روى ابن هشام في السيرة أن فداء المشركين يوم بدر كان أربعة آلاف درهم بالرجل إلى ألف درهم ، إلا من لا شيء له. فمنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم عليه.
وقال ابن إسحاق : كان أكثر الأسارى يوم بدر فداء العباس ، وذلك أنه كان رجلا موسرا ، فافتدى نفسه بمائة أوقية ذهبا.
وفي صحيح البخاري (١) عن أنس أن رجالا من الأنصار قالوا : يا رسول الله! ائذن لنا ، فنترك لابن أختنا عباس فداءه. قال : لا والله! لا تذرون منه درهما.
وروى ابن إسحاق (٢) أن العباس قال : يا رسول الله! قد كنت مسلما. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : الله أعلم بإسلامك ، فإن يكن كما تقول ، فإن الله يجزيك. وأما ظاهرك فقد كان علينا ، فافتد نفسك وابني أخيك نوفل وعقيل وحليفك عتبة. قال : ما ذاك عندي يا رسول الله! قال : فأين المال الذي دفنته أنت وأم الفضل ، فقلت لها : إن أصبت في سفري هذا ، فهذا المال الذي دفنته لبني : الفضل وعبد الله وقثم؟ قال : والله! يا رسول الله ، إني لأعلم أنك رسول الله ، إن هذا لشيء ما علمه أحد غيري
__________________
(١) أخرجه في : المغازي ، ١٢ ـ باب حدثني خليفة ، حديث رقم ١٢٤٥.
(٢) أخرجه الإمام أحمد في المسند ١ / ٣٥٣ ، والحديث رقم ٣٣١٠.