قال الرازي : احتج أصحابنا بهذه الآية ، على أن أحوال القلوب من العقائد والإرادات ، كلها من خلق الله تعالى. وذلك لأن الألفة والمودة والمحبة الشديدة إنما حصلت بسبب الإيمان ومتابعة الرسول صلىاللهعليهوسلم. انتهى.
ولما بين تعالى كفايته لنبيه صلىاللهعليهوسلم عند مخادعة الأعداء ، في الآية المتقدمة ، أعلمه بكفايته له في جميع أموره مطلقا ، فقال تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٦٤)
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال العلامة ابن القيّم في مقدمة (زاد المعاد) في تفسير هذه الآية : أي الله وحده كافيك ، وكافي أتباعك ، فلا يحتاجون معه إلى أحد. ثم قال : وها هنا تقديران :
أحدهما ـ أن تكون الواو عاطفة ل (من) على الكاف المجرورة ، ويجوز العطف على الضمير المجرور بدون إعادة الجار ، على المذهب المختار ، وشواهد كثيرة ، وشبه المنع منه واهية.
والثاني ـ أن تكون الواو واو (مع) ، وتكون (من) في محل نصب عطفا على الموضع فإن (حسبك) في معنى كافيك ، أي الله يكفيك ، ويكفي من اتبعك ، كما يقول العرب : حسبك وزيدا درهم ، قال الشاعر :
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا |
|
فحسبك والضحاك سيف مهنّد |
وهذا أصح التقديرين. وفيها تقدير ثالث ، أن تكون (من) في موضع رفع بالابتداء ، أي ومن اتبعك من المؤمنين ، فحسبهم الله ؛ وفيها تقدير رابع ، وهو خطأ من جهة المعنى ، وهو أن يكون (من) في موضع رفع عطفا على اسم الله ، ويكون المعنى : حسبك الله وأتباعك. وهذا ، وإن قال به بعض الناس ، فهو خطأ محض ، لا يجوز حمل الآية عليه ، فإن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة. قال الله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ ، هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٢] ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب له وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده. وأثنى الله سبحانه على أهل التوحيد والتوكل من عباده ، حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل