وسوسته ، وشدة اهتمامه ، إلى أن قدر على إلقاء آدم في الزلة الموجبة لإخراجه من الجنة ـ فبأن يقدر على أمثال هذه المضار في حق بني آدم أولى. فبهذا الطريق حذر تعالى بني آدم بالاحتراز عن وسوسته.
وقوله تعالى : (إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ) أي : جنوده من الشياطين (مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ) أي من مكان لا ترونهم فيه. والجملة استئناف لتعليل النهي ، وتأكيد التحذير من فتنته بأنه بمنزلة العدوّ المداجي ، يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون. عن مالك بن دينار : إن عدوّا يراك ولا تراه ، لشديد المؤنة ، إلا من عصم الله.
تنبيه :
قال السيوطي في (الإكليل) : قال ابن الفرس : استدل بها بعضهم على أن الجن لا يرون وأن من قال إنهم يرون فهو كافر ـ انتهى ـ ومراده بالبعض ، المعتزلة ، ولذا قال الزمخشري : فيه دليل بيّن أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس ، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم ، وأن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرقة ـ انتهى ـ
وقال الجشميّ : تدل على بطلان قول العامة إن الشيطان يتصور لنا ونراه. ثم قال : ومتى قيل : أليس يرون زمن الأنبياء ، ويرى المعاين الملك؟ فجوابنا : أنه يزداد قوة الشعاع ، أو تتكاثف أبدانهم ، فيكون معجزة للنبي ـ انتهى ـ.
وأجاب أهل السنة كما في (العناية) : بأنه قد ثبتت رؤيتهم ، بالأحاديث الصحيحة المشهورة ، وهي لا تعارض ما في الآية. لأن المنفي فيها رؤيتهم إذا لم يتمثلوا لنا.
وقال في فتح البيان : وقد استدل جماعة من أهل العلم بهذه الآية على أن رؤية الشيطان غير ممكنة ، وليس في الآية ما يدل على ذلك ، وغاية ما فيها أنه يرانا من حيث لا نراه وليس فيها أنا لا نراه أبدا ، فإن انتفاء الرؤية منّا له ، وفي وقت رؤيته لنا ، لا يستلزم انتفاءها مطلقا. والحق جواز رؤيتهم كما هو ظاهر الأحاديث الصحيحة ، وتكون الآية مخصوصة بها ، فيكونون مرئيين في بعض الأحيان لبعض الناس دون بعض ـ انتهى ـ.
وقد أوضح الغزالي رحمهالله رؤيا الجن والشياطين برؤيا الملائكة حيث قال في (الركن الثاني) : الملائكة والجن والشياطين جواهر قائمة بأنفسها مختلفة