وفي حديث كعب : وددت أن هذا اللبن يعود قطرانا ، أي يصير. فقيل له : لم ذلك؟ قال : تتّبعت قريش أذناب الإبل ، وتركوا الجماعات.
قال الشهاب : إلا أنه قيل إنه لا يلائم قوله (بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) إلا أن يقال بالتغليب فيه ، أو يقال : التنجية لا يلزم أن تكون بعد الوقوع في المكروه. ألا ترى إلى قوله (فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ) [الأعراف : ٨٣] و [النمل : ٥٧] وأمثاله؟
ومنها : أن العود يطلق ، ويراد به الابتداء. حققه الراغب والجار بردي وغير واحد.
وأنشدوا قول الشاعر :
وعاد الرأس منّي كالثّغام
ومعنى الآية : لتدخلنّ في ملتنا ، وقوله تعالى : (إِنْ عُدْنا) أي دخلنا ـ كذا في تاج العروس ـ.
ومنها : إبقاء صيغة العود على ظاهرها ، من استدعائها رجوع العائد ، إلى حال كان عليها قبل. كما يقال : عاد له ، بعد ما كان أعرض عنه ، إلا أن الكلام من باب التغليب. قال الزمخشري : لما قالوا : (لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ) فعطفوا على ضميره ، الذين دخلوا في الإيمان منهم بعد كفرهم ـ قالوا (لَتَعُودُنَ) فغلبوا الجماعة على الواحد. فجعلوهم عائدين جميعا ، إجراء للكلام على حكم التغليب. وعلى ذلك أجرى شعيب عليهالسلام جوابه فقال : (إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْها) وهو يريد عود قومه ، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم ، وإن كان بريئا من ذلك ، إجراء لكلامه على حكم التغليب ـ انتهى.
ومنها : ما قاله الناصر في (الانتصاف) : إنه يسلم استعمال (العود) بمعنى (الرجوع إلى أمر سابق) ، ويجاب عن ذلك بمثل الجواب عن قوله تعالى : (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ) [الظلمات : ٢٥٧] والإخراج يستدعي دخولا سابقا فيما وقع الإخراج منه ، ونحن نعلم أن المؤمن الناشئ في الإيمان لم يدخل قط في ظلمة الكفر ، ولا كان فيها. وكذلك الكافر الأصلي لم يدخل قط في نور الإيمان ، ولا كان فيه. ولكن لما كان الإيمان والكفر من الأفعال الاختيارية التي خلق الله العبد متيسرا لكل واحد منهما متمكنا منه لو أراده ، فعبر عن تمكن المؤمن من الكفر ،