أهل قليب بدر حيث قال (١) : إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقّا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّا. ـ كما رواه البخاري ـ لا تحزنا ، ولكن إعلاما بنصر الله له ، وتحقيق رسالته ، زيادة في حزنهم وتوبيخهم ، فإن الأحياء ليسوا بأسمع منهم ، ولكن لا يتكلمون. كما في (الصحيح). ويجوز عطف قوله (فَتَوَلَّى) على قوله (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) ، فيكون الخطاب لهم حين أشرفوا على الهلاك ، لا بعده. فيكون عليهالسلام تولى عنهم تولي ذاهب عنهم ، منكر لإصرارهم حين رأى علامات نزول العذاب. والمتبادر الأول لظهور الفاء في التعقيب ـ والله أعلم ـ.
تنبيهات :
الأول : نأثر هنا ما رواه علماء التاريخ والنسب في بسط قصة ثمود ، لمكان العظة والاعتبار مفصلا. وإلا ، فجلي أن ما أجمله التنزيل الكريم لا غاية وراءه في ذلك ، وما سكت عن بيانه من تلك القصص ، فلا حاجة إلى السعي وراءه لفقد القطع به ، اللهم إلا لزيادة الاتعاظ ، وتقوية العبرة ، ولذا صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال (٢) : «حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج».
وخلاصة ما رووه عن ثمود أن عادا لما هلكت ، عمرت ثمود بلادها ، وخلفوهم في الأرض ، وكانوا في سعة ورخاء من العيش ، فعتوا على الله ، وأفسدوا في الأرض ، وعبدوا الأوثان ، فبعث الله تعالى إليهم صالحا عليهالسلام ، وكانوا قوما عربا ، وصالح من أوسطهم نسبا ، فدعاهم إلى عبادته تعالى وحده ، فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون ، فحذرهم وأنذرهم ، فسألوه آية ، واقترحوا عليه بأن يخرج لهم ناقة عشراء ، تمخض من صخرة صماء ، عينوها بأنفسهم ، وكانت صخرة منفردة في ناحية الجبل ، يقال لها (الكائبة) ، فأخذ عليهم صالح العهود والمواثيق : لئن أجابهم الله إلى طلبتهم ليؤمنن به وليتبعنه. فلما أعطوه على ذلك عهودهم ومواثيقهم ، قام صالح عليهالسلام إلى صلاته ، ودعا الله عزوجل ، فتحركت تلك الصخرة ، ثم انصدعت
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الجنائز ، ٨٧ ـ باب ما جاء في عذاب القبر ، حديث ٧٢٦ ونصه : عن ابن عمر قال : اطلع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على أهل القليب فقال «هل وجدتم ما وعد ربكم حقّا»؟
فقيل له : تدعو أمواتا؟
فقال : «ما أنتم بأسمع منهم. ولكن لا يجيبون».
(٢) أخرجه البخاري في : الأنبياء ، ٥٠ ـ باب ما ذكر عن بني إسرائيل حديث ١٦٢٤ ونصه : عن عبد الله بن عمرو أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : بلّغوا عني ولو آية ، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.