ما يحصل من الكفاية بالتوكل حاصلا ، وإن عدم التوكل. وقد قال تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللهِ ، وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران : ١٧٣ ـ ١٧٤] ، فعقب هذا الجزاء والحكم لذلك الوصف والعمل ، بحرف (الفاء) وهي تفيد السبب ، فدل ذلك على أن ذلك التوكل هو سبب هذا الانقلاب بنعمة من الله وفضل. وأن هذا الجزاء جزاء على ذلك العمل. وفي الأثر : من سرّه أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله. فلو كان التوكل لا يجلب منفعة ولا يدفع مضرة ، لم يكن المتوكل أقوى من غيره. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ ، إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً* وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ، إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : ١ ـ ٣]. وقال في أثناء السورة : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ ، وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) [الأحزاب : ٤٨]. فأمره سبحانه بتقواه واتباع ما يوحى إليه وأمره بالتوكل. كما جمع بين هذين الأصلين في غير موضع. كقوله : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٤٨]. وقوله : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٨ ـ ٩]. وقوله : (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [الشورى : ١٠]. وقوله : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) [الممتحنة : ٤]. وقوله : (هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ) [الرعد : ٣٠] وقوله : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق : ٢ ـ ٣]. وقوله في الفاتحة : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة : ٥]. وعلم القرآن مجتمع في الفاتحة في هذين الأصلين : عبادة الله والتوكل عليه. وإذا أفرد لفظ العبادة دخل فيه التوكل. فإنه من عبادة الله. كقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) [البقرة : ٢١] وقوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦]. وإذا قرن به التوكل كان مأمورا به بخصوصه. وهذا كلفظ الإسلام والإيمان. والإيمان والعمل ، ولفظ الصلاة مع العبادة ومع اتباع الكتاب. ولفظ الفحشاء والبغي مع المنكر. ونظائر ذلك متعددة ، يكون اللفظ عند تجرده وإفراده يتناول أنواعا. وقد يعطف بعض تلك الأنواع عليه فيكون مأمورا به لخصوصه. ثم قد يقال : إذا عطف لم يدخل في المعطوف عليه. وقد يقال : بل الأمر به خاص وعام ، كما في قوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ) [البقرة : ٩٨]. وإذا كان الله أمره بالتوكل على الله ، ثم قال : (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) علم أن الله وكيل كاف لمن توكل عليه. كما يقال في الخطب