أن يكون أعظم مهذب لنفسه ، ومؤدب لعقله وحسه ، اعتقاده بأن الله عليم بما يسر ويعلن ، ويظهر ويبطن ، وأنه ناظر إليه ومطلع عليه.؟ بلى (١) إن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، وأما الذين ضلوا السبيل ، واتبعوا فاسد التأويل ، فيقولون كما قال من قبلهم وقص الله علينا ذلك بقوله عزوجل. (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا ...) الآية. فانظر كيف رماهم العليم الحكيم بالجهل ، وجعل احتجاجهم بالقدر من أسباب وقوع البأس والبلاء بهم.
وفي هذا القدر كفاية لمن لم ينطمس نور الفطرة من قلبه ، والله عليم حكيم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(١٥٠)
قوله تعالى : (قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ) أي : احضروهم (الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ هذا) يعني ما تقولون من الأنعام والحرث. والمراد ب (شهدائهم) قدوتهم الذين
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الإيمان ، ٣٧ ـ باب سؤال جبريل النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان ، الحديث رقم ٤٦ ونصه : عن أبي هريرة قال : كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم بارزا يوما للناس. فأتاه جبريل فقال : ما الإيمان؟
قال : «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث».
قال : ما الإسلام؟
قال : «الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان».
قال : ما الإحسان.
قال : «أن تعبد الله كأنك تراه. فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
قال : متى الساعة؟
قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. وسأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربها. وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان. في خمس لا يعلمهنّ إلا الله».
ثم تلا النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ...) الآية.
ثم أدبر.
فقال «ردوه».
فلم يروا شيئا.
فقال : «هذا جبريل جاء يعلّم الناس دينهم».