بأمره ، وأئمة الضلالة يدعون إلى النار ، وأنه ألهم كلّ نفس فجورها وتقواها ، وأنه يهدي من يشاء بعدله وحكمته ، وأنه هو الذي وفق أهل الطاعة لطاعته فأطاعوه ولو شاء لخذلهم فعصوه ، وأنه حال بين الكفار وقلوبهم ـ فإنه يحول بين المرء وقلبه ـ فكفروا به. ولو شاء لوفقهم فآمنوا به وأطاعوه ، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأنه لو شاء لآمن من في الأرض كلهم جميعا. إيمانا يثابون عليه ويقبل منهم ويرضى به عنهم ، وأنه لو شاء ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ).
و (القضاء والقدر) عندهم أربع مراتب جاء بها نبيهم وأخبر بها عن ربه تعالى :
الأولى ـ علمه السابق بما هم عاملوه قبل إيجادهم.
الثانية ـ كتابة ذلك في الذكر عنده قبل خلق السموات والأرض.
الثالثة ـ مشيئته المتناولة لكل موجود ، فلا خروج لكائن عن مشيئته ، كما لا خروج له عن علمه.
الرابعة ـ خلقه له وإيجاده وتكوينه ، فإنه لا خالق إلا الله ، والله خالق كل شيء. فالخالق ـ عندهم ـ واحد وما سواه فمخلوق. ولا واسطة ـ عندهم ـ بين الخالق والمخلوق. ويؤمنون ـ مع ذلك ـ بحكمته ، وأنه حكيم في كل ما فعله وخلقه ، وأن مصدر ذلك جميعه عن حكمة تامة هي التي اقتضت صدور ذلك وخلقه. وأن حكمته حكمة حق عائدة إليه قائمة به كسائر صفاته ، وليست عبارة عن مطابقة علمه لمعلومه وقدرته لمقدوره ـ كما تقوله نفاة الحكمة الذين يقرّون بلفظها دون حقيقتها ـ بل هي أمر وراء ذلك ، هي الغاية المحبوبة له المطلوبة التي هي متعلق محبته وحمده ولأجلها خلق فسوى وقدّر فهدى ، وأمات وأحيى ، وأشقى وأضلّ وهدى. ومنع وأعطى. وهذه الحكمة هي الغاية والفعل وسيلة إليها ، فإثبات الفعل مع نفيها إثبات للوسائل ونفي للغايات ، وهو محال ، إذ نفي الغاية مستلزم لنفي الوسيلة. فنفي الوسيلة ـ وهي الفعل ـ لازم لنفي الغاية وهي الحكمة. ونفي قيام الفعل والحكمة به نفي لهما في الحقيقة ؛ إذ فعل لا يقوم بفاعله ، وحكمة لا تقوم بالحكيم ـ شيء لا يعقل. وذلك يستلزم إنكار ربوبيته وإلهيته. وهذا لازم لمن نفى ذلك ولا محيد له عنه ، وإن أبى التزامه. وأما من أثبت حكمته وأفعاله على الوجه المطابق للعقل والفطرة وما جاءت به الرسل ، لم يلزم من قوله محذور البتة ، بل قوله حق ، ولازم الحق حق ، كائنا ما كان.