القول في تأويل قوله تعالى :
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ)(١٤٩)
(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات. ومنه : (أيمان بالغة) أي : مؤكدة. أو (البالغة) التي بلغ بها صاحبها صحة دعواه فهي (كعيشة راضية). (فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) أي : ولكنه لم يشأ ذلك. بل شاء هداية بعض صرفوا اختيارهم إلى سلوك طريق الحقّ. وضلال آخرين صرفوا كسبهم إلى خلاف ذلك ، من غير صارف يلويهم ولا عاطف يثنيهم ، فوقع ذلك على الوجه الذي شاءه.
قال الإمام أبو منصور الماتريدي في (تأويلاته) : قيل : الآية في مشركي العرب. قالوا ذلك حين لزمتهم المناقضة وانقطع حجاجهم في تحريم ما حرّموا من الأشياء. وأضافوا ذلك إلى الله ، وهو صلة قوله (ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) ـ إلى قوله ـ (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللهُ بِهذا) [الأنعام : ١٤٣ ـ ١٤٤]. فلما لزمتهم المناقضة وانقطع حجاجهم فزعوا إلى هذا القول (لَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكْنا ..) [الأنعام : ١٤٨]. انتهى.
والقصد : الاعتذار عن كل ما يقدمون عليه من الإشراك وتحريم الحلال. أي : ولكنه لم يشأ الترك وشاء الفعل ، ففعلنا طوع مشيئته ، وهو لا يشاء إلا الحق ، لأنه قادر. فلو لم يكن حقّا يرضاه لمنعنا منه. وهو لم يمنعنا منه فهو حقّ. وفي حكاية هذه المناظرة والمجادلة بيان لنوع من كفرهم شنيع جدّا ..!
تنبيه :
هذه الآية تكرر نظيرها في التنزيل الكريم في عدة سور ، وهي من الآيات الجديرة بالتدبر لتمحيص الحق في المراد منها.
فقد زعم المعتزلة أن فيها دلالة واضحة لمذهبهم من أن الله لا يشاء المعاصي والكفر ، كما تبجّح بذلك منهم الطبرسي الشيعي في (تفسيره) وقال : إن فيها تكذيبا ظاهرا لمن أضاف مشيئة ذلك إلى الله سبحانه ؛ وكذا الزمخشري في (تفسيره).
ومعلوم أنّ عقيدة الفرقة الناجية ، الإيمان بأن : ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وأنه ما في السموات والأرض من حركة ولا سكون إلّا بمشيئة الله سبحانه ، لا