وردّ الأول بأن فيه صرف النار من معناها العلميّ ، وهو دار العذاب ، إلى اللغوي. وأجيب عنه بأن لا بأس بالصرف إذا دعت إليه ضرورة. وقيل عليه : إن المعترض لا يسلم الضرورة ، لإمكان غير ذلك التأويل. مع أن قوله (مَثْواكُمْ) يقتضي ما ذهب إليه المعترض بحسب الظاهر. وردّ الأخير أبو حيّان بأن في الاستثناء يشترط اتحاد زمان المخرج ، والمخرج منه ، فإذا قلت : قام القوم إلا زيدا ، فمعناه : إلا زيدا ما قام. ولا يصح أن يكون المعنى : إلا زيدا ما يقوم في المستقبل. وكذلك سأضرب القوم إلا زيدا ، معناه : إلا زيدا فإني لا أضربه في المستقبل ، ولا يصح أن يكون المعنى : إلا زيدا فإني ما ضربته قبل ، إلا إذا كان استثناء منقطعا ، فإنه يسوغ ، كقوله : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى). فإنهم ذاقوها. ولك أن تقول : إن القائل بل يلتزم انقطاعه ، كما في الآية التي ذكرها ، ولا محذور فيه ، مع ورود مثله في القرآن ، وفيه نظر. وقيل : إنه غفلة عن تأويل الخلود بالأبد ، والأبد لا يقتضي الدخول. انتهى.
وقال الناصر في (الانتصاف) : قد ثبت خلود الكفار في العذاب ثبوتا قطعيّا ، فمن ثم اعتنى العلماء بالكلام على الاستثناء في هذه الآية ، وفي أختها في سورة هود. فذهب بعضهم إلى أنها شاملة لعصاة الموحدين وللكفار ، والمستثنى العصاة ، لأنهم لا يخلدون ـ وقد علمت بعده ـ.
ثم قال : وذهب بعضهم إلى أن هذا الاستثناء محدود بمشيئة رفع العذاب ، أي : مخلدون إلا أن يشاء الله لو شاء. وفائدته إظهار القدرة ، والإعلان بأن خلودهم إنما كان لأن الله تعالى قد شاءه ، وكان الجائز العقليّ في مشيئته أن لا يعذبهم ، ولو عذبهم لا يخلدهم ، وإن ذلك ليس بأمر واجب عليه ، وإنما هو مقتضى مشيئته وإرادته عزوجل. وفيها على هذا الوجه دفع في صدر المعتزلة الذين يزعمون أن تخليد الكفار واجب على الله تعالى بمقتضى الحكمة ، وأنه لا يجوز في العقل أن يشاء خلاف ذلك.
وذهب الزجاج إلى وجه لطيف ، إنما يظهر بالبسط فقال : المراد ـ والله أعلم ـ إلا ما يشاء من زيادة العذاب. ولم يبين وجه الاستثناء. والمستثنى على هذا التأويل لم يغاير المستثنى منه في الحكم ، ونحن نبيّنه فنقول : العذاب ـ والعياذ بالله ـ على درجات متفاوتة ، كأن المراد أنهم مخلدون في جنس العذاب إلا ما شاء ربك من زيادة تبلغ الغاية ، وتنتهي إلى أقصى النهاية ، حتى تكاد لبلوغها الغاية ، ومباينتها