يلزم من قوله : (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) أن غير الشرك لا يكون ظلما ، يجاب : بأن التنوين في (بظلم) للتعظيم ، فكأنه قيل : لم يلبسوا إيمانهم بظلم عظيم. ولما تبين أن الشرك ظلم عظيم علم أن المراد : لم يلبسوا إيمانهم بشرك ، أو أن المتبادر من المطلق أكمل أفراده ـ كذا في العناية ـ.
قال الرازيّ : والدليل على أن هذا هو المراد ، أن هذه القصة من أولها إلى آخرها إنما وردت في نفي الشركاء والأضداد والأنداد ، وليس فيها ذكر الطاعات والعبادات ، فوجب حمل الظلم هاهنا على ذلك.
تنبيه :
حيث علم أن الصادق المصدوق صلىاللهعليهوسلم فسر الآية بما تقدم فليعضّ عليه بالنواجذ وأما ما هذى به الزمخشري من قوله في تفسير الآية : أي لم يخلطوا إيمانهم بمعصية تفسقهم ، وأبى تفسير الظلم بالكفر ، لفظ (اللبس) أي : لأن لبس الإيمان بالشرك أي : خلطه به ، مما لا يتصور ، لأنهما ضدان لا يجتمعان ـ على زعمه ـ فمدفوع بأنه يلابسه. لأنه إن أريد بالإيمان مطلق التصديق ، سواء كان اللسان أو غيره ، فظاهر أنه يجامع الشرك كالمنافق. وكذا إن أريد تصديق القلب ، لجواز أن يصدّق بوجود الصانع ، دون وحدانيته ، لما في قوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) [يوسف : ١٠٦]. وهو ما أشير إليه قبل. ولو أريد التصديق بجميع ما يجب التصديق به بحيث يخرج عن الكفر ، فلا يلزم من لبس الإيمان بالشرك الجمع بينهما ، بحيث يصدق عليه أنه مؤمن ومشرك ، بل تغطيته بالكفر ، وجعله مغلوبا مضمحلا ، أو اتصافه بالإيمان ، ثم الكفر ، ثم الإيمان ثم الكفر مرارا ، وبعد تسليم ما ذكر ، فاختصاص الأمن بغير العصاة لا يوجب كون العصاة معذبين البتة ، بل خائفين ذلك ، متوقعين للاحتمال ، ورجحان جانب الوقوع ـ كذا في (شرح الكشاف).
وفي (الانتصاف) : إنما يروم الزمخشري بذلك تنزيله على معتقده ، في وجوب وعيد العصاة ، وأنهم لا حظ لهم في الأمن كالكفار. ويجعل هذه الآية تقتضي تخصيص الأمن بالجامعين بين الأمرين : الإيمان والبراءة من المعاصي. ونحن نسلم ذلك ، ولا يلزم أن يكون الخوف اللاحق للعصاة ، هو الخوف اللاحق للكفار ، لأن العصاة من المؤمنين إنما يخافون العذاب المؤقت ، وهم آمنون من الخلود. وأما الكفار فغير آمنين بوجه ما. انتهى.