الربوبية على ما ذكرنا ، وقد ثبت ذكر في أكبر الكواكب ـ (أعني الشمس) ـ فلزم ثبوته فيما دونها بالأولى ـ فهلا اقتصر على أفول الشمس رعاية للإيجاز والاختصار؟ أجيب : بأن الأخذ من الأدنى فالأدنى ، إلى الأعلى فالأعلى ، له نوع تأثير في التقرير والبيان والتأكيد ، لا يحصل من غيره ، فكان سوق الاستدلال على هذا الوجه أولى ـ أفاده الرازي ـ
الرابع ـ قال الرازي : تدل هذه الآية على أن الدين يجب أن يكون مبنيّا على الدليل ، لا على التقليد ، وإلا لم يكن لهذا الاستدلال فائدة البتة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ)(٨٠)
قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ) أي جادلوه ، وأرادوا مغالبته بالحجة ، فيما ذهب إليه من توحيد الله ، ونفي الشركاء عنه ، تارة بأدلة فاسدة واقفة في حضيض التقليد ، وأخرى بالتخويف ، وقد أشير إلى جواب كل منهما. (قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللهِ وَقَدْ هَدانِ) أي : أتجادلونني في توحيده ، وقد هداني لإقامة الحجج ، ورفع الشبه على نفي إلهية ما سواه ، وقد ثبت أنها ناقصة في ذواتها ، فكمالاتها من غيرها ، ولا إلهية للناقص بالذات ، لأن كماله لا يكون مطلقا ، و (تحاجوني) بإدغام نون الجمع في نون الوقاية ، وقرئ بحذف الأولى.
وقوله تعالى : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ) أي لا أخاف معبوداتكم ، لأنها جمادات لا تضر بنفسها ولا تنفع ، وهو جواب عما خوفوه عليه الصلاة والسلام في أثناء المحاجة من إصابة مكروه من جهة أصنامهم ، كما قال لهود عليهالسلام قومه : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) [هود : ٥٤]. وتخويفهم ، وإن لم يسبق له ذكر ، لكنه فهم من قوله : (وَلا أَخافُ).
وقال ابن كثير : أي ومن الدليل على بطلان قولكم ؛ إن هذه المعبودات لا تؤثر شيئا ، وأنا لا أخافها ولا أباليها ، فإن كان لها كيد فكيدوني بها ولا تنظرون. انتهى.
(إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) أي : من إصابة مكروه بي من جهتها ، وذلك إنما هو من جهته تعالى ، من غير دخل لمعبوداتكم فيه أصلا.
وفي (الانتصاف) : غاية خوف إبراهيم منها. المعلق على مشيئة الله تعالى