تعالى : إني خلقت عبادي حنفاء. وقال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) وقال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢]. ومعناه ، على أحد القولين ، كقوله : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) فإذا كان هذا في حق سائر الخليقة ، فكيف يكون إبراهيم الخليل الذي جعله الله (أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ناظرا في هذا المقام؟ بل هو أولى الناس بالفطرة السليمة ، والسجية المستقيمة ، بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، بلا شك ولا ريب.
ومما يؤيد أنه كان في هذا المقام مناظرا لقومه فيما كانوا فيه من الشرك ، لا ناظرا ، قوله تعالى : (وَحاجَّهُ قَوْمُهُ ..) الآية الآتية. انتهى.
وممن جوّد هذا المبحث الجليل ، وبيّن أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان مناظرا لقومه ، العلامة الشهرستانيّ في كتابه (الملل والنحل) ، ونحن نسوقه عنه تأييدا لهذا البحث المهم ، وتعرّفا بمعتقد قومه ، وما دفعهم إليه ، لما فيه من الفوائد.
قال رحمهالله تحت ترجمة (أصحاب الهياكل والأشخاص) : هؤلاء من فرق الصابئة (وهم المتعصبون للروحانيين) ، وقد أدرجنا مقالتهم في المناظرات جملة ، ونذكرها هاهنا تفصيلا :
اعلم أن أصحاب الروحانيات ، لما عرفوا أن لا بد للإنسان من متوسط ، ولا بد للمتوسط من أن يرى فيتوجه إليه للتقرب به ، ويستفاد منه ، فزعوا إلى الهياكل التي هي السيارات السبع ، فتعرفوا أولا بيوتها ومنازلها ، وثانيا مطالعها ومغاربها ، وثالثا اتصالاتها على أشكال الموافقة والمخالفة ، مرتبة على طبائعها ، ورابعا تقسيم الأيام والليالي والساعات عليها ، وخامسا تقدير الصور والأشخاص والأقاليم والأمصار عليها ، فعملوا الخواتيم ، وتعلموا العزائم والدعوات ، وعينوا ليوم زحل مثلا يوم السبت ، وراعوا فيه ساعته الأولى ، وتختموا بخاتمه المعمول على صورته وصفته ، ولبسوا اللباس الخاص به ، وبخّروا ببخوره الخاص ، ودعوا بدعواته الخاصة ، وسألوا حاجتهم منه ، الحاجة التي تستدعى من زحل من أفعاله وآثاره الخاصة به.
وكذلك رفع الحاجة التي تختص بالمشتري في يومه وساعته ، وجميع الإضافات التي ذكرنا إليه. وكذلك سائر الحاجات إلى الكواكب. وكانوا يسمونها : أربابا آلهة ، والله تعالى هو رب الأرباب ، وإله الآلهة. ومنهم من جعل الشمس إله الالهة ورب