ما تركنا في الكتاب من شيء ، لأن المعنى على خلافه ، فبان أن التأويل ما ذكرنا. انتهى.
وقال الخفاجي : التفريط التقصير. وأصله أن يتعدى ب (في) وقد ضمن هنا معنى (أغفلنا وتركنا). ف (مِنْ شَيْءٍ) في موضع المفعول به ، و (مِنْ) زائدة. والمعنى : ما تركنا في الكتاب شيئا يحتاج إليه من دلائله الألوهية والتكاليف.
هذا ما ارتضاه أبو حيان والزمخشريّ ، وعدل عنه البيضاوي. لأنه لا يتعدى. فجعل التقدير (تفريطا) فحذف المصدر ، وأقيم شيئا مقامه ، وتبع فيه أبا البقاء ، إذ اختار هذا ، وأورد عليه في (الملتقط) أنه ليس كما ذكر ، لأنه إذا تسلط النفي على المصدر ، كان منفيا على جهة العموم ، ويلزمه نفي أنواع المصدر ، ونفي جميع أفراده ، وليس بشيء ، لأنه يريد أن المعنى حينئذ : أن جميع أنواع التفريط منفية عن القرآن ، وهو مما لا شبهة فيه ، ولا يلزمه أن يذكر فيه كل شيء كما لزم على الوجه الآخر ، حتى يحتاج إلى التأويل. كما أن نفي تعديه لا يضر من قال إنه مفعول به على التضمين ، كما مر ، وأما ما قيل : إن (فرط) يتعدى بنفسه ، لما وقع في القاموس (فرط الشيء ، وفرط فيه تفريطا ضيعه وقدم العجز فيه وقصر) فلا نسلم أنه يتعدى بنفسه ، وتفرد صاحب القاموس بأمر ، لا يسمع في مقابلة الزمخشري وغيره. مع أنه يحتمل أن تعديته المذكورة فيه ليست وضعية ، بل مجازية ، أو بطريق التضمين ـ انتهى كلام الشهاب ـ.
أقول : ما للمجد في القاموس ، ليس من تفرداته وعندياته ، إذ اللغة مرجعها السماع ، لا الاجتهاد. وموازنته بين الزمخشريّ وغيره ، من باب معرفة الحق بالرجال ، الذي الصواب عكسه ، على أنه ليس في (الكشاف) ما يقتضي ما زعمه. وقد استشهد شارح القاموس ، الزبيديّ شاهدا على تعديته بنفسه ، تأييدا لكلام المجد ، قول صخر الغي :
ذلك بزّي فلن أفرّطه |
|
أخاف أن ينجزوا الذي وعدوا |
قال ابن سيده : يقول. لا أضيعه ، وقوله : بزي ، أراد سلاحي. ثم قال الزبيديّ : وقال أبو عمرو : فرطتك في كذا وكذا ، أي تركتك. وبه فسر أيضا قول صخر. انتهى. وأنشد أبو السعود قول ساعدة بن جؤيّة :
معه سقاء لا يفرّط حمله
أي : لا يتركه.