أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) [الفرقان : ٧].
(وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) جواب لمقترحهم ، وبيان لمانعه ، وهو البقيا عليهم ، كيلا يكونوا كالباحث عن حتفه بظلفه. والمعنى : أن الملك لو أنزل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في صورته ، وهي آية لا شيء أبين منها وأيقن ، ثم لم يؤمنوا ، لحاق بهم العذاب ، وفرغ الأمر. فإن سنة الله قد جرت في الكفار أنهم متى اقترحوا آية. ثم لم يؤمنوا ، استؤصلوا بالعذاب ، كما قال تعالى : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) [الحجر : ٨]. وقوله تعالى : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٢٢].
(ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) أي : لا يمهلون بعد نزوله طرفة عين ، فضلا عن أن ينذروا به. ومعنى (ثم) بعد ما بين الأمرين ، قضاء الأمر ، وعدم الإنظار جعل عدم الإنظار. أشد من قضاء الأمر ، لأن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة.
تنبيه :
ذكر الزمخشريّ وجها ثانيا في تعجيل عذابهم ، عند نزول الملائكة ، وهو أنه يزول الاختيار الذي هو قاعدة التكليف ، فيجب إهلاكهم ، وفي (الكشف) الاختيار قاعدة التكليف ، وهذه آية ملجئة. قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) [الفتح : ٨٥]. فوجب إهلاكهم ، لئلا يبقى وجودهم عاريا عن الحكمة ، إذ ما خلقوا إلا للابتلاء بالتكليف ، وهو لا يبقى مع الإلجاء. هذا تقريره على مذهبهم ، وهو غير صاف عن الإشكال. انتهى. وفيه إشارة إلى أنه ليس على قواعد السنة ، وكأنّ وجه إشكاله أنه وقع في القرآن ، والواقع ما ينافيه ، كما في قوله تعالى : (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ...) [البقرة : ٢٥٩]. ـ كذا في (العناية) ـ وذكر أيضا وجها ثالثا. وهو أنهم إذا شاهدوا ملكا في صورته ، زهقت أرواحهم من هول ما يشاهدون.
قال في (الانتصاف) : ويقوّي هذا الوجه قوله : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً). قال ابن عباس. ليتمكنوا من رؤيته ، ولا يهلكوا من مشاهدة صورته ، انتهى.
وهذا الوجه آثره أبو السعود في التقديم حيث قال : أي لو أنزلنا ملكا على هيئته حسبما اقترحوه ، والحال أنه من هول المنظر ، بحيث لا تطيق بمشاهدته قوى الآحاد البشرية. ألا يرى أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يشاهدون الملائكة ويفاوضونهم على الصورة البشرية؟ كضيف إبراهيم ولوط ، وخصم داود عليهم