القائمة مقام الشهادة لقوة جانبه. وأيّ فرق بين ظهور اللوث في صحة الدعوى بالدم ، وظهوره في صحة الدعوى بالمال؟ وحكى الطبريّ : أنّ بعضهم قال : المراد بقوله (اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ) الوصيان. قال : والمراد بقوله (شَهادَةُ بَيْنِكُمْ) معنى الحضور لما يوصيهما به الموصي. ثم زيف ذلك. انتهى كلام (الفتح).
ولا يخفاك أنّ الآية بنفسها ـ مع ما ورد في نزولها ـ غنيّة عن تكلف إدخالها تحت القياس والقواعد والتمحّل لتأويلها.
الخامس : في قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) دلالة على تغليظ اليمين.
قال الحافظ ابن حجر في (الفتح) وبعض المفسّرين :
ذهب الجمهور إلى وجوب التغليظ بالزمان والمكان. فأما في الزمان فبعد العصر. وأما في المكان : ففي المدينة عند المنبر ، وبمكة بين الركن والمقام ، وفي بيت المقدس عند الصخرة ، وبغيرهما بالمسجد الجامع. واتفقوا على أنّ ذلك في الدماء والمال الكثير ، لا في القليل. انتهى.
وذهبت الزيدية والحنفية والحنابلة إلى أن اليمين لا تغلظ بزمان ولا بمكان. وأخذوا بعموم قوله (١) صلىاللهعليهوسلم : البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر ، ولم يفصل. قالوا : وقوله تعالى في هذه الآية (مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ) يحتمل أن ذكره لأنهم كانوا لا يعتادون الحكم إلّا في ذلك الوقت.
قال بعض الزيدية : وهل التغليظ في المكان والزمان على سبيل الوجوب أو الاستحباب؟ قال الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة : المختار ، التغليظ في الأيمان لفساد أهل الزمان. وذلك مرويّ عن أمير المؤمنين المرتضى وأبي بكر وعمر وعثمان وابن عباس ومالك والشافعيّ. قال : والمختار أنّه مستحبّ غير واجب. انتهى.
وفي كتاب (الشهادات) من (صحيح البخاريّ) بابان في هذه المسألة. فليراجع مع شروحه.
السادس : قال ابن أبي الفرس : في قوله تعالى : (فَيُقْسِمانِ بِاللهِ) دليل على أن (أقسم بالله) يمين ، لا (أقسم) فقط.
السابع : في قوله تعالى : (وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ ..) الآية دليل على تحريم كتمان الشهادة. وذلك لا إشكال فيه.
__________________
(١) أخرجه البيهقيّ في (الشعب) وابن عساكر ، عن ابن عمرو.