وقال شيخ الإسلام تقيّ الدين بن تيمية في كتابه (السياسة الشرعية) : ولا يحل للرجل أن يكون عونا على ظلم. فإن التعاون نوعان : نوع على البر والتقوى ، من الجهاد وإقامة الحدود واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ، فهذا ما أمر الله به ورسوله. ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة ، فقد ترك فرضا على الأعيان أو على الكفاية ، متوهما أنه متورع. وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع ، إذ كان كل منهما كف وإمساك.
والثاني ـ تعاون على الإثم والعدوان ، كالإعانة على دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ، وضرب من لا يستحق الضرب ، ونحو ذلك. فهذا الذي حرمه الله ورسوله. نعم ، إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق ، وتعذر ردها إلى أصحابها ، ككثير من الأموال السلطانية ، فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين ، كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ، ونحو ذلك ، من الإعانة على البر والتقوى ، إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال ، إذا لم يمكن معرفة أصحابها وردها عليهم ولا على ورثتهم ـ أن يصرفها مع التوبة ، إن كان هو الظالم ، إلى مصالح المسلمين. وإن كان غيره قد أخذها فعليه أن يفعل بها ذلك. وكذلك لو امتنع السلطان من ردها ، كان الإعانة على إنفاقها في مصالح أصحابها ، أولى من تركها بيد من يضيعها على أصحابها وعلى المسلمين. فإن مدار الشريعة على قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦]. المفسر لقوله : (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢]. وعلى قول النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». أخرجاه في الصحيحين (١). وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها ، وتبطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تعارضت ، كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ، ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناهما ـ هو المشروع ، والمعين على الإثم والعدوان من أعان ظالما على ظلمه. أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه ، أو على أداء المظلمة ، فهو وكيل المظلوم لا وكيل الظالم. بمنزلة الذي يقرضه أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم. مثال ذلك : وليّ اليتيم والوقف ، إذا طلب ظالم منه مالا ، فاجتهد في دفع
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الاعتصام ، ٢ ـ باب الاقتداء بسنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقول الله تعالى : (وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) ، حديث ٢٥٨٥ ونصه : عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «دعوني ما تركتكم. إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». وأخرجه مسلم في : الفضائل ، حديث ١٣٠.