يبدّل القول عند الله ، ويستحى النبىّ صلىاللهعليهوسلم أن يراجعه تعالى أكثر. وقيل تكرار رؤية موسى للنبىّ صلىاللهعليهوسلم إنما ليرى فيه أثر من رأى ، وكان موسى قد منع الرؤية ، فكان حاله كقول القائل : لعلّى أراهم أو أرى من رآهم. والمهم أن أحاديث الإسراء والمعراج مهما كان الرأى فيها ، أكدت أن : الصلوات خمس ، عددا باعتبار الفعل ، وخمسون اعتدادا باعتبار الثواب.
وتجتمع الأحاديث على أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ، ثم زيدت بعد الهجرة ، وبعد أن اطمأن المسلمون فى المدينة ، أى فى الحضر ، ففرضت فيها ـ أى الحضر أربعا ، ثم بعد أن استقرت الأوضاع أكثر خفّفت الرباعية فى السفر إلى ركعتين ، ولم يتناول التخفيف الفجر لطول القراءة فيه ، ولا المغرب لأنه وتر النهار. وكان قصر الصلاة فى السنة الرابعة من الهجرة ، وفيها نزلت آية الخوف : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (١٠١) (النساء) ؛ وقيل : كان قصر الصلاة فى ربيع الآخر من السنة الثانية بعد الهجرة بعام أو نحوه ؛ وقيل : بعد الهجرة بأربعين يوما ؛ وقيل : إنه قبل الإسراء لم تكن صلاة مفروضة ، إلا ما كان قد وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد. غير أنه لا شىء فى القرآن يثبت أن الصلاة فرضت فى الإسراء ، وعلى العكس فإنه فى سورة المزمل ـ وترتيبها الثالثة فى السور المكية بحسب النزول ، يأتى : (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) (٢) (المزمل) ، (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (٢٠) (المزمل) أى صلاة الليل ، وليس هناك ما يدل على أن الصلوات الخمس لم تكن موجودة. وفى قوله فى سورة المزمل وهى المكية : (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢٠) (المزمل) ، والقتال إنما وقع بالمدينة لا بمكة ، والإسراء كان بمكة قبل ذلك ، وقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ) (٢٠) (المزمل) يعنى فى المستقبل ، فكأنه سبحانه عجّل التخفيف قبل وجود المشقة التى علم أنها ستقع لهم. وفى سورتى الروم وطه ـ وهما مكيتان ـ يأتى عن الصلوات الخمس : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ) (١٧) (وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (١٨) (الروم) ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ) (١٣٠) (طه) وفى ذلك ما يثبت أن الصلوات الخمس كانت معروفة فى مكة ، رغم أن المفسرين يصرون على أن الآيتين نزلتا فى المدينة ولم يتنزّلا فى مكة.
* * *
١٨٢٨ ـ حدود أوقات الصلوات
يقول الله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (هود ١١٤) ، فالطرف