آليت منهن شهرا» ، والإيلاء هو الهجران ، وكان هجرانه لهن فى المسجد ، غير أنه فى الآية : (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) (النساء ٣٤) أن الهجران لا يكون إلا فى البيوت ، وأكد ذلك الحديث فى حقّ المرأة على الزوج ، قال : «يطعمها إذا طعم ، ويكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يقبّح ، ولا يهجر إلا فى البيت». وعلى ذلك فالهجران يمكن أن يكون فى البيت أو فى المسجد كما فعل النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وفى غير ذلك يمكن أن تكون المجافاة فى المضاجع ، وهجرة المرأة لزوجها ، أو هجرته لها والإقامة فى البيت مع الهجران ، آلم للنفس للزوجين معا ، وأوجع للقلب لهما بما يقع من الإعراض فى تلك الحال. والهجران فى غير البيت أخف ضررا لما فى الغيبة عن عين أحدهما عن الآخر من التسلية لهما ، وربما كانت آلم للمرأة لحاجتها أكثر إلى الصحبة والمؤانسة. والنبىّ صلىاللهعليهوسلم قد فعل الهجر خارج البيوت ، فهجر نساءه كلهن إلى المسجد ، وهجر ميمونة ، وصفية ، وعائشة ، وحفصة ، وسودة ، كلا فى غير بيتها. والهجران هو ترك الدخول على الزوج أو الزوجة ، والبعد عنها أو عنه نفسيا وبدنيا. وللهجران معنى ضمنى هو عدم المضاجعة والامتناع عن الجماع. والمستشرقون على القول بأن الهجران مشتق من الهجر بضم الهاء ، وهو الكلام القبيح ، أى أن يغلظ أحدهما للآخر ، ولكن ذلك المعنى ليس من الإسلام فى شىء ، وقد نهى الرسول صلىاللهعليهوسلم عن الفحش والتفحّش. وقال بعضهم الهجر مشتق من الهجار وهو الحبل يشدّ به البعير ، فيقال هجر البعير أى ربطه ، فالمعنى يكون إذن أوثقوهن فى البيوت واضربوهن ، ولكن الرسول صلىاللهعليهوسلم أثّم المرأة التى حبست هرّة ، لا هى أطعمتها وسقتها ، ولا هى تركتها ترعى حشاش الأرض ، والمرأة إنسانة وليست هرّة!! فإذا كانت الهرة الحيوان لا تحبس فما بالك بالمرأة الإنسان!! وضرب المرأة محظور كضرب وإنما بمعنى التنبيه ، وحتى ذلك لم يرخّص للرجال إلا مع الناشز ، وقصره الله على المؤمنين من الرجال ، فهؤلاء وحدهم هم المعنيون بالخطاب ، وهم المؤتمنون على موعظة الناشز. واستثنى الله من هذه المعاملة الصالحات. والناشز المقصودة بالهجران وغيره هى المتكبّرة على زوجها ، المعرضة عنه ، المبغضة الكارهة ، والعاصية له ، البذيئة اللسان ، والمشاكسة ، المشاغبة. وهجران المرأة للرجل إنما لمعاملة شبيهة ، والنشوز يكون بالرجال كالنساء تماما ؛ والناشز من الرجال هو الفاسق الفاجر الكافر ، يجافى طبعه العدل والحق والصدق ، ولا تعرف الرحمة سبيلا إلى قلبه ، كالفرعون الذى سألت امرأته المؤمنة ربّها فقالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم ١١).
* * *