فكرة المساواة بين المواطنين رغم اختلاف دياناتهم ، وتجعل من الممكن تطوير العلاقة بين الدولة ومواطنيها إلى أبعد مدى.
* * *
١٥٩٥ ـ الجزية وأهل الذمة وأهل الصلح
فرضت الزكاة على المسلمين وكانت قديما تجمع إلى بيت المال (وزارة الخزانة أو المالية) ، وليس على غير المسلمين فى بلاد الإسلام زكاة ، وفى مقابل ذلك كانوا يفرضون عليهم الجزية بمواصفات خاصة ، وتدفع طوعا وعن رضا لبيت المال. وفى الآية : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٢٩) (التوبة) ، فلما قاتل المشركون المسلمين ، وأخرجوهم من ديارهم ، ومنعوهم من عبادة ربّهم وبدءوهم بالقتال ، كتب الله على المسلمين القتال ردا على من بدءوهم به ، وهم صنفان : المشركون من أهل مكة وأهل الكتاب من يهود المدينة ، والأولون لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ، ولا يحرّمون ما حرم الله ورسوله ، وأما اليهود فقد ضلوا عن الدين الحق وحرّفوه ، وعادوا المسلمين واعتدوا عليهم ، وألّبوا عليهم القبائل ، إلى أن كتب النصر للمسلمين على هؤلاء وهؤلاء ، وقدّر لهم أن يعايشوهم وأن تجمعهم البلاد فكان على المسلمين ترتيب الحقوق والواجبات ، فلما كانت الزكاة قد فرضت على المسلمين وأعفى منها غير المسلمين ، فرضت الجزية على غير المسلمين كمقابل للزكاة على المسلمين ؛ والزكاة تكون على المال ، وتؤخذ سنويا ، والجزية تكون على الأفراد بأوصافهم ؛ وقد تصل الزكاة إلى عشر المال كما فى المستنبت المقتات ، وقد تصل إلى ربع العشر من المال كما فى الحلىّ والنقود ، وقد تكون أقل من ذلك كما فى زكاة الأنعام. وأما الجزية فيعفى منها الفقير ، وقد يفرض عليه درهم فى العام ، ولا تزيد الجزية فى المتوسط عن دينار واحد ، وأما الأثرياء من أصحاب الذهب فلا تزيد الجزية عليهم على أربعة دنانير عن الفرد ، وفى أوقات المجاعات ، وعند ما يشح الطعام ، تلغى تماما. والجزية سنوية ، وهى على الذكور فقط دون الإناث ، وعلى الراشدين دون الصبية ، وعلى القادرين على القتال ، دون غير القادرين من أصحاب العاهات ، والمجانين ، والمغلوبين على عقولهم ، والشيخ الفانى ، والعبيد ، ويعفى منها الرهبان. ثم إن الذمىّ معفى من الانخراط فى الجيش والقتال عن البلاد ، وهذه الجزية تؤخذ منه نظير حمايته وحماية ماله وعرضه ، دون أن يسهم فى هذه الحماية ، لا بالنفس ولا بالمال ، وتشبه البدل النقدى أو البدلية التى كان الأغنياء يدفعونها للإعفاء من التجنيد. وتحديد هذا البدل أو الجزية كان متروكا لولى الأمر