إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) (١٠٠) (النساء) ، فالهجرة إلى الله لها ثوابها ، والخروج بنية الهجرة يتحصّل به الثواب ، ومن مات فى المهجر أو وهو فى طريقه إليه ، فأجره على الله ، وفى الحديث : «إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه» ، والآية دالة على أنه لا يحق لمسلم أن يقيم بأرض لا يعبد فيها الله ، ولا يعلو فيها الحق والعدل والخير.
* * *
١٥٩٣ ـ التحريض على الهجرة
ليس بصواب البقاء فى بقعة يؤذى فيها المسلم من عدو للإسلام ، والصواب أن يتلمس المسلمون أرضا يكونون فيها آمنين مع صالح الناس ، يقول تعالى : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (٥٦) (العنكبوت) والكلام ليس للمسلمين جملة ، لأن فى ذلك ترك الوطن للعدو يمرح فيه ويحتله ويستعمره ، ولن توافق دولة من دول الجوار على هجرة شعب بأكمله كالشعب الفلسطينى. وإنما الكلام موجه للمضطهدين من المسلمين أفرادا ، فبوسع هؤلاء أن يهاجروا ، وأن تقبلهم دول أخرى كلاجئين سياسيين. وهذه الآية نزلت فى المسلمين الذى ظلوا بمكة بينما أهاليهم قد هاجروا إلى المدينة ، فالهجرة كانت داخل الوطن الواحد ، وأما الهجرة إلى خارج الوطن فكانت زمن الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى الحبشة فى الهجرة الأولى ، ثم فى الهجرة الثانية ، فلما آل الأمر إلى المسلمين فى مكة عاد المهاجرون إلى بلادهم. ولا يجوز الهجرة لشعب كشعب البوسنة ، أو كشعب الشيشان ، أو كالشعب الفلسطينى ، وكان الخطأ كبيرا لمّا هاجرت جموع الفلسطينين سنة ١٩٤٨ وسنة ١٩٦٧ ، ولما هجر أهالى القنال أرضهم ومدنهم فى حرب ١٩٦٧ ، والآن تعلم الشعب الفلسطينى أن لا يترك الأرض وإن استشهد على بكرة أبية. وإذا خرج المسلم من بلده مهاجرا فعليه أن يحافظ على جواز سفره وأوراقه الثبوتية ليعود إذا أمن حاله. وكل مدينة أو قرية أو دولة يتحقق فيها ظلم أو منكر على يد عمدتها ، أو رئيس الدولة الطاغية ، فإن أحكام هذه الآية تسرى على مسلميها ، وتلزمهم على الهجرة عنها إلى بلد فيه العدل. ويقول تعالى : «إن أرضى واسعة» يعنى فهاجروا وجاهدوا. وفى الهجرة ربما يمكن أكثر إزالة العدوان عن بلد المهاجر ، ومعاونة أهله فيها على المحتل ، أو على الحاكم الظالم. والمعنى العام للآية : أن الهجرة واجبة لأسباب قد تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، فإذا كنت بأرض ركد فيها الاقتصاد مثلا ؛ أو تحكّمت فيها القلة ، فانتقل إلى غيرها حيث الاقتصاد حرّ ، والحكم