١٥٨٩ ـ الهجرة كجهاد
الهجرة معناها الانتقال من موضع إلى موضع ، بقصد ترك الموضع الأول إيثارا للموضع الثانى. وقيل : الهجرة قسمان : فهى إما هربا ، وإما طلبا ، فالأولى تنقسم إلى ستة أقسام ، وهى : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، كأن يضطهد المسلمون فى أمريكا فيعودون إلى بلادهم الأصلية ، أو يضطهدون فى مصر فيلجئون إلى السعودية ، كقوله تعالى : (قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) (النساء ٩٧) ، وهذا القسم من الهجرة كان فرضا فى أيام النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وقيل : وما يزال فرضا إلى يوم القيامة ، وننبّه إلى أنه فى زمن النبىّ صلىاللهعليهوسلم كان فى حاجة إلى المجاهدين ، فكان يدعو المسلمين أن ينضموا إليه ، وأما اليوم فينبغى أما أن لا يبارح مسلم بلدا هو فيه مهما لاقى من الاضطهاد ، وإلا استولى العدو على أرضه وبينه وأسقطوا حقة فى العودة كما حدث فى فلسطين ١٩٤٨ و ١٩٦٧. ؛ والثانية : الخروج من أرض البدعة ، وقيل لا يحل لأحد أن يقيم بأرض يسبّ فيها الإسلام ، وننبّه إلى أنه حتى بأرض الإسلام كثيرا ما يسبّ الإسلام ، فلا ينبغى للمسلم أن يترك بلده لسبب كهذا ، بل عليه أن يصبر ويصابر ويثبت فى مكانه ، وحاله فيه كحال المسلمين فى مكة فى أول الإسلام ، فكان الله يأمرهم بالصبر والحسنى ، وأن يكونوا قدوة ؛ والثالثة : الخروج من أرض غلب عليها الحرام ، وهو عذر واه كما نرى ، لأن الحرام صارت له الغلبة فى كل مكان ، وصحيح أن طلب الحلال فرض على كل مسلم ، وإنما بوسع المسلم أن يطلبه فى أى بلد كان ، وبلده أولى به ؛ والرابعة : الفرار من الأذية فى البدن ، والله تعالى أرخص ذلك للمسلم ، فإذا خشى على نفسه فقد أذن له فى الخروج والفرار بنفسه ، ليخلّصها من المحذور ، وأول من فعل ذلك إبراهيم الخليل ، فلما خاف من قومه قال : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) (٢٦) (العنكبوت) ، وقال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٩٩) (الصافات) وفعل ذلك موسى كقوله تعالى : (فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ) (٢١) (القصص) ، والخامسة : خوف المرض وطلب العلاج إذا كان المناخ لا يناسب حالة المسلم الصحية ، وفى حالات انتشار الأوبئة ، ففي بلد يكثر فيه الإيدز أو التهاب الكبد الوبائى ينبغى على المسلم أن ينأى بنفسه عن العدوى بالهجرة ؛ والسادسة : خوف الأذية فى المال ، كالمصادرة وانتشار السطو المسلح ، فلا تكون للمال ولا للأهل حرمة. وأما الهجرة للطلب ، فتنقسم قسمين : طلب الدين أو طلب الدنيا ؛ وأما طلب الدين فيتعدد ، فهناك السفر للعبرة ، كقوله تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (٩) (الروم) ؛ وهناك السفر للحج ؛ والثالث سفر الجهاد ، والرابع سفر المعاش طلبا