فلمّا ولّى خارجا نظر إليه فقال لمن عنده : «لقد دخل علىّ بوجه فاجر ، وولّى بقفا غادر» ، فلمّا قدم اليمامة ارتدّ عن الإسلام ، وخرج فى عير له يحمل الطعام فى ذى القعدة يريد مكة ، فلما سمع به أصحاب النبىّ صلىاللهعليهوسلم تهيأ للخروج إليه نفر من المهاجرين والأنصار ليقتطعوه فى عيره ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ..) الآية ، فانتهى القوم. وقيل : نزلت الآية عام الفتح ورسول الله صلىاللهعليهوسلم بمكة ، فقد جاء مشركون يحجّون ويعتمرون ، فقال المسلمون للرسول صلىاللهعليهوسلم : أندعهم؟ فنزل القرآن (وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ ..). وقيل : كان هذا لأمر شريح بن ضبيعة البكرى ويلقب الحطم ، أخذته جند رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو فى عمرته ، فنزلت هذه الآية. وقيل : إن الحطم كان قد قلّد ما نهب من سرح المدينة وأهداه إلى مكة ، فتوجهوا فى طلبه ، فنزلت الآية. أى لا تحلوا من أشعر لله وإن كانوا مشركين. وقيل : لما كان المشركون قد صدّوا المسلمين عام الحديبية سنة ست ، وكان الصدّ قبل الآية ، فقد نهوا أن يجعلوا هذا الصدّ سببا فى بغضهم فيعتدوا عليهم. وقيل : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية وأصحابه حين صدّهم المشركون عن البيت ، وقد اشتد ذلك عليهم ، فمرّ بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة ، فقال أصحاب النبىّ صلىاللهعليهوسلم : نصدّ هؤلاء كما صدّوا أصحابنا ، فأنزل الله : (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ...)
٢ ـ وفى قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣) : قيل : هذه جميعها كانوا يفعلونها فى الجاهلية ، فكانوا يخنقون الشاة وغيرها فإذا ماتت أكلوها ، وكان يضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى يقتلوها فيأكلوها ، وكانوا يأكلون المتردّى والنطيحة ، وما يفترسه ذو ناب وأظفار كالأسد والنمر والذئب ، وكانوا يستقسمون بالأزلام ، فنزلت الآية فى ذلك. وقيل : نزلت هذه الآية حين فتح مكة لثمان بقين من رمضان سنة تسع أو ثمان ، ونادى المنادى فى أهلها : «إلا من قال لا إله إلا الله فهو آمن ، ومن وضع السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن». وقيل : لمّا كان النبىّ صلىاللهعليهوسلم فى مكة قبل الهجرة لم تكن إلا فريضة الصلاة وحدها ، فلما قدم المدينة أنزل الله الحلال والحرام إلى أن حجّ وكمل الدين ، فنزلت هذه الآية.