فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) (التوبة ٧٧) ، يعنى زادهم نفاقا وثبّتهم عليه إلى يوم مماتهم ، فلما مات عبد الله بن أبىّ جاء ابنه إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وسأله قميصه ليكفنّ فيه أباه تبركا ، فأعطاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم قميصه ، قيل إكراما للابن وتطييبا لقلبه ، وقيل لأن عبد الله فى حياته أعطى قميصه للعباس عمّ النبىّ صلىاللهعليهوسلم يوم بدر ، لمّا أسر العباس وأتى به وسلبوا ثوبه ، ورآه النبىّ صلىاللهعليهوسلم بلا قميص ولا ثوب ، فأشفق عليه وطلب له قميصا ؛ فلم يجدوا له ما يقدر عليه إلا قميص عبد الله بن أبىّ ، فكساه النبىّ صلىاللهعليهوسلم إياه ، فلذلك نزع النبىّ صلىاللهعليهوسلم قميصه ليكفّن فيه عبد الله ، فبذلك يرفع اليد التى كانت لعبد الله عنده ، فلا يكون له شىء عليه يوم القيامة. والصحيح أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أعطى القميص عن طواعية ، يفعل به خيرا ، فذلك هو مطلوب دينه ، وقال لعمر حين عاتبه : «إن قميصى لا يغنى عنه من الله شيئا ، وإنى لأرجو أن يسلم بفعلى هذا ألف رجل من قومه» ، ويبدو أنه بسبب ذلك فعلا تاب وأسلم ألف رجل من الخزرج. ثم إن ابن عبد الله بن أبىّ أراد أن يصلى النبىّ على أبيه ، فقام رسول الله يصلى عليه ، فنزلت الآية : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ) (٨٤) (التوبة) ، وقيل إنه استغفر لعبد الله بن أبىّ أو كان بسبيله إلى أن يستغفر له ، فنزلت : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٨٠) (التوبة) وقيل لما عاتبه عمر ، قال : «إنما خيّرنى الله تعالى فقال : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً) (٨٠) (التوبة)». وقال : «سأزيد على سبعين». وقيل : إنما استغفر النبىّ صلىاللهعليهوسلم على عبد الله بن أبىّ وصلى عليه بناء على الظاهر من لفظ إسلامه. وقيل إن عمر بن الخطاب لمّا عاتبه لم تكن هذه الآية قد نزلت بعد ، وإنما كان فى باله الآية الأخرى التى نزلت فى مكة عند موت أبى طالب ، تقول : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١١٣) (التوبة) ، ففهم منها النهى عن الاستغفار لمن مات كافرا ، وعبد الله بن أبىّ باعتباره منافقا كان من الكافرين. وقيل الفرق بين استغفار النبىّ صلىاللهعليهوسلم لعمّه أبى طالب ، واستغفاره لعبد الله بن أبىّ ، أن الأول كان استغفارا مرجو الإجابة ، يعنى من القلب ، بينما استغفاره لابن أبىّ كان استغفارا باللسان وليس من القلب ، فذلك هو نوع الاستغفار للمنافقين الذى أملته مصلحة الدعوة والإسلام على الرسول صلىاللهعليهوسلم بشأن عبد الله بن أبىّ بن سلول رأس المنافقين فى المدينة وكبيرهم ، وكانت رئاسته للمنافقين عن جدارة ، وفيه قال ابن عباس ، كان وسيما صبيحا جسيما صحيحا ذلق اللسان ، فإذا قال سمع النبىّ صلىاللهعليهوسلم مقالته ، ووصفه الله بتمام الصورة