لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) (٥٠) (الشورى) ، فبدأ بالإناث لأن أكثر الإنجاب بحسب الإحصائيات للإناث. ومعنى الآية أن مسألة الإنجاب هى من مشيئة الله ، فقد تلد المرأة : الإناث ، وقد تلد الذكور ، وقد تلد الإناث والذكور ، وقد لا يولد للأبوين. والأنبياء مثل وقدوة ، فلوط رزق الإناث فقط ، وإبراهيم رزق الذكور فقط ، وآدم ومحمد رزقا الإناث والذكور ، ويحيى وعيسى كانا عقيمين. ومن الطب النبوى أنه صلىاللهعليهوسلم قال لليهودى : «ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا ماؤها ماء الرجل ، أشبه الولد أخواله ، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه أعمامه» ، فباعتبار هذا الحديث فإن العلو يقتضى الشبه. وقال : «ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإذا اجتمعا فعلا منىّ الرجل منىّ المرأة ، أذكرا بإذن الله ، وإذا علا منىّ المرأة منى الرجل آنثا بإذن الله» ، فجعل فى هذا الحديث أيضا العلو يقتضى الذكورة والأنوثة ، ويقتضى الشبه ؛ غير أنه لا علو فى الماء فى الرحم وإنما هو غلبة ماء أى من الزوجين ، يعنى غلبة «الصفات الوراثية» لأيهما ، بأن تكون هى الأقوى ، فيكون الشبه لها أو له ، فسبحان مسبّب الأسباب ، وله فى خلقه شئون ، وليس أدلّ على أن القرآن من لدن الله من هذه الآية التى نبّهت إلى الإنجاب وتصاريفه تعالى فيه.
* * *
١٤١٦ ـ اللبن طعام معجز
فى القرآن آيات كثيرة عن الأغذية للحيوان والإنسان ، منها قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشَّارِبِينَ (٦٦) وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٦٧) (النحل) ، فقد ذكر من هذه الأغذية اللبن ، وناسب إعجاز هذه الأغذية أن يذكّر بها العقلاء ، والعقل أشرف ما فى الإنسان ، والعبرة التى يستخلصها العقل من طعام اللبن ، هى الدلالة على قدرة الله ووحدانيته وعظمته ، والعبر فى الأنعام تسخيرها ، وفى اللبن أنه خالص البياض ، ومع ذلك فاللبن من الفرث والدم ، والفرث هو بقايا الطعام التى يخرجها الجسم بعد الاستفادة مما بالطعام وتصنيعه دما يتحول فى الثدى إلى اللبن ، وما تأكله كل أنثى من حيوان أو إنسان يهضم فيكون أسفله فرثا ، وأوسطه دما ، وأعلاه لبنا ، فاللبن أعلى من الدم ، وينتجه الضرع أو الثدى. والمنى يشبه اللبن إلا أنه : (يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ) (٧) (الطارق) ، ومنفذه مخرج البول ، ومع ذلك فهو الطاهر طهر اللبن المستساغ. واللبن من المحاليل المركبة ويحتوى على جميع العناصر الغذائية التى يحتاجها الجسم ، ولا ترتبط بمركبات تمنع الجسم من الاستفادة منها رغم تزاحمها فيه ، ولا تتداخل مع بعضها بصورة