يزيد الضغط والحرارة فتؤدى زيادتهما المستمرة إلى الفتق ، ومع تكوّن العناصر تكونت الأرض والسماء ، مصداقا للآية : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢) (فصّلت). ومع الانفجار الكبير تمدد الكون وتضخّم بسرعة فائقة تضاءلت مع الزمن إلى معدلاتها الحالية ، ولكن هذا التمدّد لن يستمر للأبد ، فالكون ليس كونا منفتحا آليا كما يقول الملحدون ، وتؤكد حسابات الكتل المفقودة بأن الكون مصيره إلى الانغلاق ، وأنه على ذلك كون مغلق ، أى له نهاية ، وأن التمدّى سيتوقف عند لحظة فى المستقبل ، يعود بعدها إلى الانكماش والتكدّس والانطواء والتقارب والالتحام ، وهى مرحلة الرتق الثانية ، فيعود سيرته الأولى ، بحسب غلبة قوى الجذب فيه على قوى الدفع إلى الخارج ، وينطوى الكون على نفسه ، ليعود إلى حالة الكثافة اللانهائية الأولى التى بدأ بها ، وهو المعبّر عنه فى الآية : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) (١٠٤) (الأنبياء) ، والآية : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٨) (إبراهيم) ، وذلك ما يسميه الفلكيون «الانسحاق الكونى العظيم The Big Crunch».
وهذه الدلالات العلمية للآيات الكونية لم يتبينها الإنسان إلا بعد نزول القرآن بألف وأربعمائة سنة كما ذكرنا ، أو أن القرآن قال بها منذ ذلك الوقت البعيد يوم كانت البشرية فى عماء علمى كامل ، ومن ذلك فى سفر الخروج من التوراة ، فى الفصلين الأول والثانى ، أن الكون ساكن ثابت فى مكانه ، لا يتغير ، وأن النجوم ثابتة فى السماء التى تدور بها حول الأرض ، وأن الكون كله مركب من عناصر أربعة هى الماء والهواء والتراب والنار ، وبذلك تختلف الصورة العلمية فى القرآن للكون عن مثيلتها فى التوراة ، مما يدل على أن كلام القرآن هو كلام الخالق وليس كلام بشر ، وأن محمدا الذى تنزّل عليه القرآن وبلّغه ، هو رسول من عند الله تعالى يوحى إليه. وقد شهد العلم بصدق القرآن فى كل ما ورد فيه من قضايا علمية ، وبأن آياته قد صيغت بحيث يفهم منها كل عصر ما يتناسب مع مستواه العلمى ، وهذه معجزة أخرى للقرآن ، وما تزال عجائب القرآن ومعجزاته تتضح الحين بعد الحين ، كلما اتسعت دائرة المعارف الإنسانية.
* * *
١٣٦٢ ـ من الآيات الكونية الدالة على وجود الله ووحدانيته
الإعجاز العلمى فى القرآن ، وكذلك الإعجاز العلمى فى الأحاديث النبوية ، يحتاجان