وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥) (التوبة) ، وتتحدث عن المشركين فى المدينة ، بينما سورة «الكافرون» تتحدث عن الكفار فى مكة ؛ والمشرك هو الذى يجعل لله أندادا ، والكافر هو المنكر لله أصلا ، وفى مكة لم يكن الأمر بالقتال قد تنزّل على النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وكان الأمر بالجدال فقط بالمنطق وهو أحسن الجدال ، (وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (العنكبوت ٤٦) ، والأمر بالقتال كان فى المدينة بعد أن استولى كفار مكة على أملاك المسلمين ، وأخذوا ديارهم ، وسبوا نساءهم وأولادهم ، واضطروهم إلى الهجرة ، فكتب الله عليهم القتال لذلك فقط ، أى لدواع اقتصادية واجتماعية وحربية ، وليس لإكراه الناس على الإسلام. وكان الحلّ الأخير بعد استنفاد كل الحلول الأخرى ، بمثابة إعلان الحرب الشاملة عليهم ، وهذا مستفاد من آية السيف المزعومة ، إلا إذا أصبحوا كالمسلمين ، لهم عقيدتهم وينهجون نهجهم ، وليس فى ذلك إكراه ، وعلى ذلك فآية (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (٦) آية محكمة ، وهى إعلان مبادئ بين الأديان ، ولا تنسخها آية السيف.
* * *
١١٨٩ ـ دروس مستفادة من النسخ
١ ـ تبلغ دعاوى النسخ التى لم تصحّ أكثر من مائتين وثمانين دعوى ، لم تتوافر فيها شروط النسخ ، ولم يقم الدليل الصحيح على وقوعه.
٢ ـ وهناك دعاوى نسخ تستند إلى أقوال أو أفعال من السنّة موضوعها غير ما شرعته السنّة ، وصحبت هذه الآيات سنّة تبيّن النسخ ، والسنة المبيّنة للنسخ لا بدّ منها فى مثل هذه الحالات ، وفى كل دعوى نسخ بالقرآن.
٣ ـ كما أن هناك دعاوى أخرى نسخت فيها أحكام ثبتت بالقرآن ، وكان الناسخ لها آيات من القرآن كذلك ، ويستند القائلون بها إلى أنه لا ينسخ القرآن إلا قرآن مثله ، كما أن السنّة يجوز أن تنسخها سنّة مثلها.
٤ ـ غير أنه لا توجد دعوى واحدة تؤيد نسخ القرآن بالسنة.
٥ ـ وهناك دعاوى نسخ لآيات عبارة عن أخبار ، والأخبار لا تقبل النسخ.
٦ ـ وثبت تهافت دعاوى النسخ جميعها لآيات القرآن حتى أن الكثيرين قالوا : لا نسخ فى القرآن.
* * *
وبذلك ينتهى الباب العاشر وهو باب النسخ فى القرآن ويبدأ
إن شاء الله الباب الحادى عشر : «باب المصطلحات فى القرآن».
* * *