عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ ...) (٥٨) قيل : إنها منسوخة ، فقد كان نزولها والبيوت على حال ثم زالت هذه الحال ، فصارت للبيوت أبواب ونوافذ وأستار ، فإن كان مثل ذلك الحال فحكمها قائم كما كان ، والآية لذلك ليست بمنسوخة وإن كان الناس لا يعملون بها. وكان الناس من بعد يقولون عن هذه الآية : إننا أمرنا فيها بما أمرنا ، ولا يعمل الآن بها أحد. والحق أن الآية أدب عظيم يلزم الخدم والصغار ، بالبعد عن مواطن كشف العورات حماية للأعراض. وقيل : إن الآية نسخها قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ ...) (٦١) ، والصواب أنه لا وجه لادعاء النسخ بأى من الآيتين على هذه الآية ، لأنه لا تعارض بينها وبين أى منهما.
والآية : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) (٦١) : قيل : هى منسوخة بما بعدها : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) (٦١) فلم يعد الأعمى ولا الأعرج مخصوصا بالآية ، بل هى عامة بقوله : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ) ، وذلك أن العرب كانوا فى القديم ليس على أبوابهم أغلاق وإنما ستور مرخاة ، فكان من يشاء يدخل البيت ليس فيه أحد ، ليأكل لأنه جائع ، ثم صارت الأغلاق على البيوت ، فلم يعد يحلّ لأحد أن يفتحها ، ومن ثم فالقول : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ) أصبح بلا معنى ، والصحيح أن له معنى ، فالأعمى والأعرج لا حرج عليهما فى أى أمر يتعلق بالرؤية أو الطريق وهو مقصود الآية عموما. وقيل : الآية ناسخة لآية أخرى هى قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) (النساء ٢٩) ، وفيها نهى الله الناس أن تأكل أموال الناس ، والطعام أفضل الأموال ، فيكون أنه لا يحل لأحد أن يأكل عند أحد ، وآية رفع الحرج نسخت هذا النهى ، ومن ثم كفّ الناس عن أن يأكلوا عند أحد ، فأنزل الله «آية الحرج» لرفع الحرج عن الناس ، وهذا غير صحيح ، لأن آية أكل الأموال خاصة بالمديونيات ، و «آية رفع الحرج» عن الأعمى والأعرج خاصة ، بأى خطأ يمكن أن يأتيه الأعمى أو الأعرج نتيجة عجزه. والآية إذن محكمة لا ناسخة ولا منسوخة ، فالطعام أحلّه الناس من بيوتهم لمن يعهدون لهم بحراستها وهم فى تجارة بالخارج أو فى غزو. وأما الأعمى والأعرج فقد أحلّهما الله من التكليف المشترط فيه البصر للأعمى ، والمشترط فيه المشى للأعرج ، فيما يتعذر من الأفعال التى تستلزم البصر أو صحة الأقدام ، وعن المريض فيما يؤثر المرض فى إسقاطه كالصوم وشروط الصلاة وأركانها ، والجهاد ، ونحو ذلك.
والآية : (أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ