وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) (المائدة ٣) ، وكل ذلك لم يعد واردا الآن حيث يأكل الناس مما يذبح فى المجازر وتضطلع به الحكومات ، إلا أن يكون ذبحها فى البيوت. وكان أهل الجاهلية يخنقون الحيوان ولا يذبحونه ، فإذا مات أكلوه ، فهذه هى المنخنقة ، ومثل ذلك ما يفعل الآن فى الخارج من قبل البهيمة ، بمسدس فى الرأس ، فلا تذبح ولا يسيل لها دم. ومثل ذلك الموقوذة : وهى التى ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية ؛ ومثله المتردّية : التى تسقط من حالق فتموت ، كأن يكون ذلك من فوق سطح مرتفع. والتحريم للتردّي ، أي للموت بالصدمة ؛ ومثل ذلك النطيحة : وهى البهيمة تنطحها أخرى أو تضربها سيارة أو يسقط عليها جدار فتموت قبل أن تذكّى. ويحرّم الأكل من فريسة لذى ناب أو ظفر كالذئب والثعلب ؛ ومثل ذلك فى المريضة فإنها كالفريسة ، تحذر لما فيها من أمراض. والذكاة فى اللغة أصلها التمام ، والذكاء الفطنة ، وأذكى النار أجّجها ، والرائحة الذكية هي الطيبة. والذكاة في الاصطلاح هو الذبح ، فإذا سال دم الحيوان فقد طيّب فيطهر من أمراض الدم ، ومن النجاسة إذا كان بنية القصد لله وذكر عليه اسمه. وإذا كان المقصود من الذكاة إنهار الدم فذلك ضرب من التعبّد ، للحديث : «إنما الذكاة فى الحلق واللّبّة» فبيّن محل الذبح وعيّن موضعه ، وفائدته : «ما أنهر الدّم وذكر اسم الله عليه فكل» أخرجه البخارى ، فإذا لم يجر الذبح بهذه النية ولا بصفته المخصوصة الضامنة للطهارة ، زال معه حظّ التعبّد ، فليس يؤكل الحيوان. ومن تمام التعبّد الحديث : «إن الله كتب الإحسان على كل شىء : فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح ، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته». وحسن القتلة إذا اضطر المسلم إلى قتل حيوان أو طير. وما ذبح على النّصب حرام ، لأنه وما أهل لغير الله واحد ، وكانت النّصب حجارة حول الكعبة يذبحون عليها لأصنامهم ، فحرّم ذلك على المسلمين.
* * *
٢٠٦٩ ـ المضطر قد يأكل المحرّم
المحرّمات حصرتها الآية : (إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) (البقرة ١٧٣) ، و «إنما» كلمة موضوعة للحصر ، تتضمن النفي والإثبات ، فتثبت ما تناوله الخطاب وتنفي ما عداه ، وقد حصرت التحريم ، لا سيما وقد جاء بعد التحليل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) (البقرة ١٧٢) ، فأفادت الآية الإباحة على الإطلاق ، ثم عقبها بذكر المحرم بكلمة «إنما» الحاصرة ، فلا محرم يخرج عن هذه الآية ، وتؤكدها الآية الأخرى التي نزلت بعدها بعرفة. (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (الأنعام ١٤٥). والميتة : هى ما فارقته الروح من