حرّمه الله. ويعقوب لكى يشفى حرّم عليه الأطباء لحوم الإبل وألبانها ، بدعوى أنها تلهب عرق النسا ، فحرّمها بنوه بالتبعية على أنفسهم ، ونسوا السبب الذى به صارت لحوم الإبل وألبانها محرمة عليهم ، فلما سألهم النبىّ صلىاللهعليهوسلم لم تحرمونها على أنفسكم؟ ذكروا أن التوراة حرّمتها عليهم ، فكذبوا ، وتحدّاهم القرآن أن يكون ذلك فى التوراة ، وأكد أن هذه مسألة خاصة بإسرائيل ، والتوراة نزلت بعده على موسى. وفى هذا دلالة على أن النبىّ صلىاللهعليهوسلم موحى إليه من الله ، فقد أخبرهم بما فى كتابهم ، وبما ليس فى كتابهم ، وأنهم بالتحريم كانوا وإسرائيل نبيّهم مبتدعين ، ولم يكونوا متّبعين ، فنبّه القرآن إلى سمة أجناسية وذهنية فيهم ، وهى أنهم كلما أذنبوا ذنبا عظيما حرّموا على أنفسهم طعاما أو استجلبوا عليهم غضبه تعالى ، فذلك قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (النساء ١٦٠) ، وقوله : (وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ) (١٤٦) (الأنعام). والآية إذن تحدّ من القرآن فى أصول التحريم عند اليهود. والمستشرقون ، وخاصة هوروفتس ، على القول بأن النّسا كلمة ليست عربية ، وأنها عبرانية من nasche ، مع أن الكلمة عربية خالصة ، والتشابه مع اللفظة العبرانية هو اتفاق فى اللغات التى من أصول عرقية واحدة. والنّسا هو العرق من الورك إلى الكعب ، والجمع أنساء ، والمثنى نسوان ، والمنسو المريض بالنّسا ، ونقول نسى ينسى شكا نساه ، والأنسى عرق فى الساق السفلى ، فالكلمة إذن ليست تعريبا لأصل عبرانى ، والمرض نفسه عرفه العرب ، وكانت للنبىّ صلىاللهعليهوسلم وصفة فى علاجه ، فعن أنس أنه قال : «شفاء عرق النّسا ألية شاة أعرابية ، تذاب ثم تجزّأ ثلاثة أجزاء ، ثم يشرب على الريق فى كل يوم جزء» ، وفى رواية أخرى : «تؤخذ ألية كبش عربى ، لا صغير ولا كبير ، فتقطع صغارا ، فتخرج إهالته فتقسم ثلاثة أقسام ، فى كل يوم على ريق النفس ثلثا».
وإسرائيل من المقصودين بالذكر فى قوله تعالى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ) (مريم ٤١) ، وبدأ هذا الذكر بإبراهيم ، ونوّه بقصته مع أبيه ، وثنّى بقصة موسى ، ثم بقصة إسماعيل ، وإدريس ، ووصفهم بأنهم أنبياء منعم عليهم من ذرية آدم ، وممن حمل نوح وفى الآية : (وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ) (مريم ٥٨) ، أن ذرية إبراهيم ، هما ولداه : إسماعيل وإسحاق ؛ وأما إسرائيل فكان ابنا لإسحاق ، وذريته هم بنو إسرائيل ، ويذكرهم القرآن إحدى وأربعين مرة ، فأحيانا يثنى عليهم ، وغالبا يتوعدهم ويتهمهم بالكفر ، كقوله تعالى : (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) (المائدة ٧٨) ، وأنذرهم بتدمير بلادهم ودولتهم كلما أفسدوا وطغوا واعتدوا ، قال : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا