وقيل : إن إبراهيم لمّا كان مع ابنه إسماعيل وزوجته هاجر فى مكة ، فى زيارة من زياراته لهما من حين لآخر ، حيث كان يسكن أصلا الشام مع زوجته سارة ، رأى فى ليلة التروية كأن قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك. فلما أصبح روّى فى نفسه ، أى فكّر : أهذا الحلم من الله أم من الشيطان؟ فسمّى ذلك اليوم «يوم التّروية» لهذا السبب ، أى يوم التفكير. فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له : الوعد؟ أى أين وعدك؟ فلمّا أصبح عرف أن ذلك من الله ، فسمّى ذلك اليوم «يوم عرفة». ثم رأى مثله فى الليلة الثالثة ، فهم بنحر ابنه كما تقضى الرؤيا ، فسمّى ذلك اليوم «يوم النحر». وروى أنه لمّا همّ بذبحه قال جبريل : الله أكبر. الله أكبر ، فقال الذبيح : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، فقال إبراهيم : الله أكبر والحمد لله! فبقيت هذه الكلمات سنّة ، وكل ذلك ممكن علميا لأنه لا يقضى بشرّ ولا يرسّخ لخرافة. وذبح الابن فى الحلم من الميكانيزمات الحلمية فى كل كتب تفسير الأحلام فى العالم ، وبكل اللغات ، وفى مختلف الثقافات ، وما جرى لإبراهيم ، وما تبودل من أحاديث بينه وبين ابنه وجبريل صار لذلك من المقدسات ومن مناسك الحج فى الإسلام.
* * *
٧٦٨. الدليل على أن الذبيح هو إسماعيل وليس إسحاق
الدليل على ذلك ـ وهو أقوى دليل : بشارة الملائكة لسارة زوجة إبراهيم فى قوله تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) (٧١) (هود) ، فطالما أن إسحاق سيعيش ليلد يعقوب ، فلا يمكن أن يذبح ، ولا أن يفهم إبراهيم أن رؤيا الذبح المقصود بها إسحاق ، فلا شك إذن أنه فهم أن الرؤيا تخصّ إسماعيل ، وأنه الذبيح وليس إسحاق.
* * *
٧٦٩. البشارة بإسحاق بعد قصة الذبح
قال تعالى : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) (الصافات) ، ولم تأت البشارة إلا بعد تمام قصة الذبح ، إذن فطالما أن إسحاق سيعيش وسيكون نبيّا ، فإن المقصود بالذبح يكون إسماعيل!
* * *
٧٧٠. الدليل من التوراة على أن الذبيح إسماعيل
الدليل على ذلك العبارة ٢٣ من الفصل السابع عشر من سفر التكوين ، وهو قوله : «فأخذ إبراهيم إسماعيل ابنه ...» ، فهذا إقرار بأن إسماعيل هو الابن الوحيد لإبراهيم فى ذلك الوقت حيث لم تكن سارة قد ولدت إسحق بعد ، وفى ذلك الفصل يأتى فى بدايته بشارة الله لإبراهيم ووعده : «وسأنمّيك جدا جدا ، وأجعلك أمما ، وملوك منك يخرجون ، وأقيم عهدى