قال : إن آمنوا بأن الأنبياء جميعهم من عند الله ، ورسالاتهم هى التوحيد ولا رسالة أخرى سواها ، ولم يفرّقوا بين الأنبياء وينكروا بعضهم ، ويعلوا بعضهم على بعضهم ، ويؤلّهوا بعضهم ، فقد اهتدوا كما اهتديتم ، وإن أبوا إلا التفريق بين الأنبياء والرسالات ، فهم الناكبون عن الدين إلى الشقاق ، فسيكفيكهم الله وينصرك عليهم. والشقاق : هو المجادلة والمخالفة والتعادى ، وأصله من الشقّ وهو الصدع والخرق. وأمة اليهود وأمة النصارى أكثر الأمم شقاقا. وقيل الشقاق من فعل ما يشقّ وما يصعب ، فكأن كل أمة تحرص على ما يشق على أبنائها ، وليس أشق من ديانة اليهود بما ابتدعوه فى التلمود ، ولا أشق من الرهبانية التى ابتدعها النصارى ، فتفرّق اليهود والنصارى بسبب ذلك إلى فرق متخالفة يكفّر بعضها البعض ، ويؤلب بعضها على بعض ، حتى صار بأسهم بينهم شديد.
* * *
٥٤٢. اليهود يزكّون أنفسهم
يخبر القرآن ـ بحسب ما هو مكتوب فى كتب اليهود ـ أنهم يزكّون أنفسهم ، يقول تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) (النساء) ، وتزكيتهم أنفسهم بأن قالوا فى كتبهم أنهم شعب الله المختار وأنهم الصفوة ، وأن حكم العالم ينبغى أن يئول إليهم ، وأن أورشليم عاصمة العالم ، والعولمة لذلك من مقولاتهم ، وبها يحكمون العالم ، فأطروا أنفسهم ، ودللوا على أنهم قوم مرضى جماعيا بجنون العظمة ، ومصدر جنونهم عقد النقص عندهم ، وأن الله لعنهم ، ومع ذلك ادّعوا أنه لا ذنوب لهم ، وأن ما يفعلونه ليلا يغفره الله لهم نهارا ، وما يفعلونه نهارا يغفره لهم ليلا ، وأنهم فى ذلك كالأطفال بلا ذنوب ، وأن آباءهم الأولين : إبراهيم ، وإسحاق ، ويعقوب ، والأسباط ، يشفعون لهم (أشعياء ٢ / ٢) فردّ الله عليهم ، قال : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) (النساء ٤٩) ، وقال : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) (النجم ٣٢) ، والمزكّى لنفسه إنما يفعل ذلك بلسانه ادّعاء ، وأما الزاكى المزكّى : فهو من حسنت أفعاله وزكّاه الله ، فلا عبرة بتزكية المزكّى لنفسه ، ولن يسمع العالم لليهود بأنهم «شعب الله المختار» ، لأن دعوتهم عنصرية ، وفيها استكبار ، وفعلهم منتقص وأعمالهم فى فلسطين شاهدة عليهم وعلى بطلان مزاعمهم وزيف تفكيرهم.
* * *
٥٤٣. اليهود يؤمنون بالجبت والطاغوت
يخبر الله تعالى عن اليهود فيقول : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ