النبىّ. وقيل فى ذلك أن هذه الأحاديث ربما صدرت قبل أن تتنزل الآية ، وربما قوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا سيد ولد آدم» لأنه كذلك يوم القيامة بوصفه الشافع يومئذ ، وله لواء الحمد والحوض ، وكان قوله : «لا تخيّرونى على موسى» على طريق التواضع ، وكذلك قوله : «لا يقل أحد أنا خير من يونس بن متّى» على معنى التواضع ، حيث الآية : (وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٤٨) (القلم) وهو يونس بن متى ، فيها أنه أفضل منه فعلا ، لأن الله تعالى قال له : ولا تكن مثله ، وإذن فهو خير منه ، فدلّ على أن قوله : «لا تفضّلونى عليه» من طريق التواضع ، ويجوز أن تكون الأفضلية من طريق العمل فلعله أفضل منه فى العمل ، ولا يعلم ذلك إلا الله ، ولعله أفضل فى البلوى والامتحان فإنه أعظم محنة منه. وربما قد نهى عن المقارنة بينه وبين الأنبياء ، لأنه فى المقارنة قد يذكر عنهم ما لا ينبغى أن يذكر ، ويقل احترام الناس لهم عند المماراة ، فلا يقال لذلك : النبىّ صلىاللهعليهوسلم أفضل من الأنبياء كلهم ، لما قد يتوهّم من النقص فى المفضول ، لأن النهى يقتضى منع إطلاق اللفظ لا منع اعتقاد المعنى ، فإن الله تعالى أخبر فى الآية أن الرسل متفاضلون ، إلا أننا انصياعا لأمر نبيّنا صلىاللهعليهوسلم لا يحسن منا أن نقول أنه خير من الأنبياء ، أو أفضل من فلان ، تأدّبا بالنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وعملا باعتقاد ما تضمنه القرآن من حجب أى الأنبياء أفضل ، وعلى ذلك يكون الجواب على السؤال : هل نبيّنا صلىاللهعليهوسلم هو الأفضل؟ أن القرآن اكتفى بأن الأنبياء متفاضلون ولم يذكر أسماء.
والأنبياء منهم الرسل ، ومنهم أولو العزم ، ومنهم الأخلّاء ، ومنهم من كلّم الله ، ورفع بعضهم فوق بعض درجات ، وآتى بعضهم الكتاب ، وبعضهم العلم ، ونبيّنا فضّله فقال له : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) (٢) (الفتح) ، وقال : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً) (٢٨) (سبأ) ، فلو لا أنه الأفضل لما فتح عليه بكل هذا الفتح ، ولما غفر له كل ذنوبه السابقة واللاحقة ، ولما أرسله لكل شعوب الأرض ، الأبيض والأحمر والأسود والأصفر. والحمد لله والمنّة.
* * *
٥٠٢. مشكلة «ما» و «من» فى بعض الآيات
المستشرقون يقولون مثلا فى قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٣) (النساء) : كيف جاءت «ما» للآدميين فى الآية بينما أصلها لما لا يعقل؟ ومن قالوا ذلك لا يعرفون العربية ، لأن «ما» و «من» قد يتعاقبان ، كقوله تعالى : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) (٥) (الشمس) أى ومن بناها ، وقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) (٤٥) (النور). وفى الآية : (ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) ، «ما» لمن يعقل ، يعنى «من طاب». وقد تكون «ما» للنعوت لما لا يعقل ، فيكون المعنى «فانكحوا