تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ) (٦١) فليس فيها أى دليل على نزول عيسى ، وقالوا الآية تقرأ : «وإنه لعلم للساعة» أى أمارة ، يعنى أنه من علامات يوم القيامة ، والذى قال ذلك هو الحبر ابن عباس ، وأما الجمهور فمع قراءة النبىّ صلىاللهعليهوسلم «لعلم للساعة» (بالكسر) ، والمقصود أن القرآن هو علم الساعة ، لأنه الكتاب الذى أجاب عن الساعة الجواب القاطع ، ووصف أهوالها وأحوالها ، وما قاله فيها بمثابة العلم ـ علم الساعة وليس المقصود نزول عيسى. وقد اقتضى تفسير الآية بحسب معتقد النصارى ، أن كانت هناك أحاديث كثيرة تخالف القرآن وتجعل من عيسى النبىّ الخاتم وليس محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فبنزول عيسى يصبح هو آخر نبىّ يحكم فى الدنيا ، وتسود شريعته هو وتنتهى شريعة الإسلام. وأكثر من ذلك أن الأحاديث تجعل من عيسى قاتلا ، فيقتل الدجّال ، وتجعله محاربا يمسك بالسلاح ويقتل الأعداء ، وهى صورة مخالفة لطبيعة المسيح ، فهل يجوز أن تكون له الطبيعة التى نعرفها ثم يتغير هكذا تغيرا كليا إلى الضد؟ وفى الحديث : «أن عيسى أول نازل ، فيكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، ويقاتل الناس على الإسلام» ، وقيل : إنه يرفع التكليف!! مع أن البقاء فى الدنيا يقتضى ويحتّم التكليف! وفى الحديث : أن عيسى يؤم المسلمين بكتاب ربّهم وسنّة نبيّهم صلىاللهعليهوسلم ، وبناء عليه قال الفقهاء ، إن الحديث نصّ على أن عيسى ينزل مجدّدا لدين النبىّ صلىاللهعليهوسلم ، للذى درس منه ، لا يشرّع مبتدأ ، والتكليف باق!! وهذا جميعه تلفيق من نوع الإسرائيليات. والصحيح أن العلم على الساعة ، أى الدليل والأمارة ، إما أنه القرآن باعتباره الكتاب الخاتم ، أو أنه النبىّ صلىاللهعليهوسلم باعتباره النبىّ الخاتم ، فالقرآن بشارة ونذارة بالقيامة ، وكذلك محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإن كان هناك كتاب يتحدث عن الساعة ، ونبىّ أقرب إلى الساعة ، فهو القرآن والنبىّ صلىاللهعليهوسلم ، وعلى ذلك فلا شىء فى القرآن ينبئ عن نزول عيسى أو يشير إلى ذلك من قريب أو بعيد! ويكذب من يقول بغير ذلك.
* * *
٤٠٦. ما اختصاص النبىّ بالتنبيه إلى الدّجال ونزوله؟
قيل : إن سبب تنبيه النبىّ صلىاللهعليهوسلم إلى الدجّال ونزوله ، مع أن ما تنزّل عليه من القرآن بهذا الخصوص ، لدليل أقوى دليل على تكذيب الدجّال ، بأنه إنما يخرج فى أمة محمد دون غيرها من الأمم. وقالوا : إن علم خروجه بهذه الأمة كان مطويا عنها كما طوى عنها علم الساعة ، فاختص النبىّ صلىاللهعليهوسلم بتنبيه أمته ، كما اختص بالجواب عليها فى السؤال عن علم الساعة. والأحاديث تترى تعرّف بالدجّال أنه أعور العين اليسرى ، وبعينه اليمنى عنبة ناتئة ، أو ظفرة غليظة ، ومكتوب بين عينيه كافر! ومن فتنته أن معه مثل الجنة والنار ،