على ما حدّث به ، وكل من طعن فى حكم أو حديث صحيح للنبىّ صلىاللهعليهوسلم فهو ردّه ويستتاب. وكان نزول هذه الآية الأخيرة لنفى الادعاء بأن النبىّ صلىاللهعليهوسلم يحكم على الناس من أجل قرابته ، وفى الآية : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً) (١٠٩) (النساء) كادت تقطع يد يهودى فى سرقة اتّهم بها ظلما ، فقضى الله تعالى بأن يحكم رسوله بما أراه الله ـ أى بقوانين الشرع ، وبالنصّ الموحى به ، أو بالنظر الجارى على سنن الوحى ، فاستنّ بذلك أصلا للقياس ، وهو دليل على أنه صلىاللهعليهوسلم إذا رأى رأيا وقضى بحكم أصاب ، لأنه الله تعالى أفهمه إياه ووعّاه به ، وضمن له العصمة كأنبيائه. وفى الآية إضمار ، وهو أن يمضى الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما عرّفه ربّه من غير اغترار باستدلال الآخرين ، وفى ذلك دستور للقضاة من بعد الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ليحكموا بين الناس بما أراهم الله ، وللمحامين فلا يجادلون عن الخائنين ، ولا يعاضدون أهل التّهم ويدافعون عنهم بالحجج ، وفى هذا دليل على أن النيابة عن المتهم فى الخصومة لا تجوز ، إلا إذا علم أنه محق. والمحامى الذى يدافع عن خصم خوّان ، يأثم أشد الإثم ، وكذلك شهود الزور الذين يبيّتون ما لا يرضى الله من القول ، والله يعلم بما يبيّتون.
* * *
٢٩١. الطاعة لله وللرسول وأولى الأمر
الآية : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٥٩) (النساء) دستور إسلامى ، وللأمم دساتير ترجع إليها فى أحكامها ، والدستور مبادئ عامة ، ودستور أمة الإسلام هو القرآن والسنّة ، ومن هذين يستنبط أولو الأمر ، وعلى هدى ما فيهما يقيسون ، وإلى نصوصهما يحتكمون ويقضون بما فهموه عقلا وموضوعا. والطاعة للحاكم إذن ، ولأية قوانين تصدرها المجالس النيابية ، واجبة فيما كان لله فيه طاعة ، ولا تجب فيما كان لله فيه معصية. وأولو الأمر هم أهل الاختصاص الذين يدبّرون أمور الناس وسياسة الحكم ، ويصدرون القوانين وينفذونها ويقضون بين الناس ، ويفرقون بين الحق