هؤلاء عاصم وخبيب وأصحابهما ، وإن ما لقوا من الحروب والمحن والقتل والأسر والحرق لتشيب من ذكره الولدان.
* * *
٩٣٧. قصة الغلام والراهب
فى الرواية عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن أصحاب الأخدود قصة «الغلام والراهب» ، رواها لأصحابه ، تنبيها لما كان يلقاه من الشدائد من وحّد الله قبلهم ، وعبده دون غيره ، وإيناسا لهم بها ، لتصبيرهم على ما يلاقون من الأذى والآلام والمشقات التى كانوا عليها ، ليتأسّوا بمثل هذا الغلام فى صبره ، وتصلّبه فى الحق ، وتمسّكه به ، وبذله نفسه إظهارا لدعوته ، وإقناعا للناس للدخول فى الدين ، مع صغر سنّه وعظيم صبره. وكذلك الراهب صبر على التمسك بالحق حتى نشر بالمنشار ، وكذلك كثير من الناس لمّا آمنوا بالله تعالى ورسخ الإيمان فى قلوبهم ، صبروا على الطرح فى النار ولم يرجعوا عن دينهم.
تقول الرواية عن النبىّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كان ملك فيمن كان قبلكم ، وكان له ساحر ، فلما كبر قال للملك : إنى قد كبرت ، فابعث إلىّ غلاما أعلّمه السحر ، فبعث إليه غلاما يعلمه ، فكان فى طريقه إذا سلك راهب ، فقعد إليه ، وسمع كلامه ، فأعجبه ، فكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب وقعد إليه ، فإذا أتى الساحر ضربه ، فشكا ذلك إلى الراهب ، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسنى أهلى ، وإذا خشيت أهلك فقل. حبسنى الساحر. فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة ، قيل أسد ، قد حبست الناس ، فقال : اليوم أعلم : الساحر أفضل ، أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحبّ إليك من أمر الساحر فأقتل هذه الدابة حتى يمضى الناس. فرماها ، فقتلها ، ومضى الناس ، فأتى الراهب فأخبره ، فقال له الراهب : أى بنى ، أنت اليوم أفضل منى ، فقد بلغ من أمرك ما أرى ، وإنك ستبتلى ، فإن ابتليت فلا تدلّ علىّ. وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ، ويداوى الناس من سائر الأدواء ، فسمع جليس للملك كان قد عمى ، فأتاه بهدايا كثيرة ، فقال : ما هنا لك أجمع ، إن أنت شفيتنى. فقال : إنى لا أشفى أحدا ، إنما يشفى الله. فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك. فآمن بالله فشفاه الله. فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس ، فقال له الملك : من ردّ عليك بصرك؟ قال : ربّى. قال : ولك ربّ غيرى؟! قال : ربّى وربّك الله! فأخذه فلم يزل يعذّبه حتى دلّ على الغلام ، فجىء بالغلام ، فقال له الملك : أى بنى ، أقد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص ، وتفعل وتفعل؟! قال : أنا لا أشفى أحدا!! إنما يشفى الله! فأخذه فلم يزل يعذّبه حتى دلّ على الراهب ، فجىء بالراهب ، فقيل له : ارجع عن دينك! فأبى ،